الصفحة 20 من 45

فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض علي أمرك.

قال: فعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليّ الإسلام وتلا عليّ القرآن، فلا والله! ما سمعت قولاً قط أحسن منه! ولا أمراً أعدل منه! فأسلمت وشهدت شهادة الحق ... ) [1] .

والشاهد الثاني ما جاء (أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم! إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً. قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك إنك منكر له، أو إنك كاره له. قال: وماذا أقول؟! فوالله! ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن! والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لِقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وأنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم [ما] تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر! يأثره عن غيره. فنزلت {ذرني ومن خلقت وحيداً} ) [2] .

يتبين من هذين الشاهدين مكانة الأدب والفصاحة والشعر لدى العرب، وعظم عنايتهم بهذا الجانب، فالعرب أمة أديبة بليغة، وقد جاءهم القرآن مخاطباً فيهم هذا الجانب الذي تميزوا به، فأتاهم بما يتحداهم ويعجزهم، بعلو بلاغته وحسن تركيبه وأسلوبه، وتحداهم الله أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور من مثله، أو بسورة واحدة، فعجزوا، وأثبت الله عجزهم وأقامه شاهداً على صدق كتابه، فقال جل من قائل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) } [الإسراء: 88] .

وإن الإسلام مع كونه في أصله رسالة للعرب، نزل كتابه بلسانهم، وبُعث رسوله منهم، فما كان الإسلام ليذر أحد أخص اهتمامات العرب دونما ذكر وبيان، أعنى بهذا: الشعر، فإنك تجد في القرآن اهتماماً خاصاً بيناً بهذا الأمر، لا يخفى على ذي بصيرة.

ونظراً لكون الدكتور الغذّامي يدرس ويحلل ثقافة العرب، ويؤرخ ما مرت به من مراحل وتغيرات، ولكونه عد الشعر أساس ثقافة العرب، فإنه لا بد أن يبين موقف الإسلام من الشعر.

(1) "تاريخ دمشق" (25/ 13 - 14) .

(2) أخرجه الحاكم ف (2/ 550/ح3872) وقال: (( هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ) ).

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام