الصفحة 17 من 45

فأين العلم الذي ورّثه نبينا - صلى الله عليه وسلم -؟!

أليس هو القائل: (إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) [1] ؟!

أين موقع الوحي الإلهي المنزل من ثقافتنا؟!

أين جهود علماء الأمة على مر التاريخ الإسلامي؟!

أين تراثنا الثقافي المتفرع عن مصادر الوحي والمميز لنا والمتميز عن سائر الأمم؟!

إنك لو بحثت فقط عن تراثنا الثقافي في تفسير القرآن لوجدت بحراً لا ساحل له، ولو بحثت عن جهود سلفنا في تدوين السنة وشرحها والعناية بأسانيدها ودراستها ورجالها لما استطعت لذلك استيعاباً.

ومما يُذكر هنا أن الدكتور الغذّامي ذكر علم العلل في الحديث، فقال: (( لا بد أن نوجد نظريات في(القبحيات) أي في عيوب الجمالي وعلله، وهي نوع من علم العلل - كما في مصطلح الحديث، الذي يبحث عن علل في المتن أو في السند أو فيهما معاً، وفي ذلك جهود ضخمة نحتاجها كمثال نقدي حي ومجرب )) [2] .

وعلم العلل ليس بحثاً عن (قبحيات) في السند أو المتن، حاشا علماء الأمة من هذا الوصف القبيح، ولكن مقصدي الاستشهاد باعتراف الدكتور الغذّامي بوجود جهود ضخمة للعلماء في باب العلل وحده، فهل كان علم علل الحديث ناتجاً عن الشعر؟! وهل أسسه الشعر؟!

ومن مبالغات الدكتور الغذّامي زعمه أن سلوكياتنا وأخلاقنا ليس لها مصدر إلا الشعر، وأنها انعكاسات ونتائج للشعر! فهل جاء الإسلام خالياً من الأخلاق والآداب؟! وهل ما يشاهد من سلوكياتنا وأخلاقنا مبتور الصلة بآداب الإسلام، وليس هو إلا موروث كوّنه الشعر وشكّله ولوّنه؟!

إن دعوى الدكتور الغذّامي نسبة قيمنا الثقافية وسلوكياتنا وأخلاقنا إلى الشعر، ثم تسليط النقد الجامح إلى الشعر: دعوة صريحة لنبذ كل ما ورثناه من قيم ثقافية وسلوكيات، لكنه رام تمرير هذه الدعوة بإقحام الشعر هنا، حتى يسلم من مغبة الطعن في مصادر ثقافتنا وهويتنا، فليس المنتقَد هو الشعر - الذي لا باكي له - وإنما المنقود هو القيم الثقافية والتي نسبها الدكتور الغذّامي زوراً إلى الشعر!

(1) أخرجه أبو داود (3/ 317/ح3641) ، والترمذي (5/ 48/ح2682) ، وابن ماجه (1/ 81/ح223) وصححه الألباني في تعليقه على سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه.

(2) "النقد الثقافي" (ص 59 - 60) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام