كانت الحقيقة قط قيمة شعرية، وبالتالي فإنها لن تكون قيمة ثقافية، طالما أن شعرية الخطاب هي اللب اللغوي والقيمي لثقافتنا )) [1] .
يظهر لك من هذا النقل رؤية الدكتور الغذّامي للمؤثر والمؤسس لثقافة العرب، مع إشارته لمجيء الإسلام، ولكن - من وجهة نظره -لم يكن للإسلام سوى أثرٍ في الجانب المعاشي والقيمي، أما الجانب الثقافي فقد كان شيئاً آخر، فقد كان الشعر وظل هو المهيمن المؤثر فيه.
وتجد الدكتور الغذّامي يقلص من أثر الإسلام مقابل الأثر الثقافي للشعر إلى أضيق الحدود، فيجعله مقصوراً على فترة ضيقة جداً وهي فترة صدر الإسلام - قبل العهد الأموي- فيقول عند حديثه عن أنواع الخطابة: (( الخطابة الوظيفية، وهي الخطب العملية التي صاحبت الدعوة الإسلامية، وكانت فعالة وإنجازية، وهي العلامة الثقافية التي صبغت الفترة الإسلامية الأولى، حيث امتزج القول بالفعل، وتقدم الخطاب الإنجازي، في حين تراجع الخطاب الشعري، وكان الإنجاز حينذاك هو علامة المرحلة، حيث الفتوحات والتحقق التاريخي العظيم. غير أن هذه فترة استثنائية نادرة، وما جاء بعدها كان عودة للقيم الشعرية في الخطاب ) ) [2] .
ويقول أيضاً: (( والأمة ذات التاريخ العظيم في فتوحاتها المجيدة، لم تحقق فتوحات مماثلة في المجال الفكري والعقلي والاجتماعي، وهو ما كان يُفترض في أمة تحمل المعاني الإسلامية الأولى في الإنسانية والعدل والحرية، وهذه كلها صيغ إسلامية جوهرية، لا تمثلها ولا تتمثلها الشخصية الاجتماعية أو الثقافية العربية ... ) ) [3] .
إن وصف الأمة الإسلامية بالفشل في المجال الفكري والعقلي والاجتماعي أمر في غاية الخطورة، خصوصاً وأن المقصود بالأمة هنا - ذات التاريخ المجيد في فتوحاتها- أمة صدر الإسلام، إذ يؤكد الدكتور الغذّامي أن فترة صدر الإسلام - فقط - هي الفترة الاستثنائية النادرة من تاريخ الأمة، والتي تحققت فيها الإنجازات والفتوحات، مما يعني أن ذلك العصر المبارك الذي استضاء بنور الوحي وشهد التنزيل وفيه كان الرسول - صلى الله عليه وسلم: لم يقدم نجاحاً فكرياً ولا عقلياً ولا اجتماعياً!
وإني أتساءل: هل شهدت البشرية حضارة أظهر أثراً على البشرية من حضارة الإسلام؟! وهل كان في تاريخ الأمم فتحاً فكرياً واجتماعياً وأخلاقياً أوضح مما امتن الله به على أمة العرب ببعثة النبي
(1) "النقد الثقافي" (ص 104 - 105) .
(2) "النقد الثقافي" (ص 103) .
(3) "النقد الثقافي" (ص 116) .