""""صفحة رقم 161""""
فاعلم أن كل مسالة تفتقر إلى نظرين نظر في دليل الحكم ونظر في مناطه فاما النظر في دليل الحكم لا يمكن أن يكون إلا من الكتاب والسنة أو ما يرجع إليهما عن إجماع أو قياس أو غيرهما
ولا يعتبر فيه طمأنينة النفس ولا نفى ريب القلب إلا من جهة اعتقاد كون الدليل دليلا اوغير دليل
ولا يقول أحد إلا أهل البدع الذين يستحسنون الأمر بأشياء لا دليل عليها أو يستقبحون كذلك من غير دليل إلا طمأنينة النفس أن الأمر كما زعموا وهو مخالف لإجماع المسلمين
وأما النظر في مناط الحكم فإن المناط لا يلزم منه أن يكون ثابتا بدليل شرعي فقط بل يثبت بدليل غير شرعى أو بغير دليل فلا يشترط فيه بلوغ درجة الاجتهاد بل لا يشترط فيه العلم فضلا عن درجة الاجتهاد
الا ترى أن العامى إذا سأل عن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إذا فعله المصلى هل تبطل به الصلاة أم لا فقال العامى إن كان يسيرا فمغتفر وإن كان كثيرا فمبطل - لم يغتفر في اليسير إلى أن يحققه له العالم
بل العاقل يفرق بين الفعل اليسير والكثير
فقد انبنى هاهنا الحكم - وهو البطلان أو عدمه - على ما يقع بنفس العامى وليس واحدا من الكتاب أو السنة لانه ليس ما وقع بقلبه دليلا على حكم وإنما هو مناط الحكم فإذا تحقق له المناط بأى وجه تحقق فهو المطلوب فيقع عليه الحكم بدليله الشرعى
وكذلك إذا قلنا بوجوب الفور في الطهارة وفرقنا بين اليسير والكثير في التفريق الحاصل أثناء الطهارة فقد يكتفى العامى بذلك حسبما يشهد قلبه في اليسير أو الكثير فتبطل طهارته أو تصح بناء على ذلك الواقع في القلب لانه نظر في مناط الحكم