فهرس الكتاب
الصفحة 134 من 854

فينير قلب عبده للإيمان به والتزام هديه وهذا ما حكاه القرآن الكريم لنا، حيث قال في محكم التنزيل: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111] وتفسير الوحى المذكور في الآية بالإلهام هو قول طائفة من السلف. قال الحسن البصري:"ألهمهم الله عز وجل ذلك". وقال السدي:"قذف في قلوبهم ذلك"

يقول شيخ الإسلام:"وليس من الممتنع وجود العلم بثبوت الصانع وصدق رسوله إلهامًا. فدعوى المدعى امتناع ذلك يفتقر إلى دليل، فطرق المعارف متنوعة في نفسها، والمعرفة بالله أعظم المعارف، وطرقها أوسع وأعظم من غيرها، فمن حصرها في طريق معين بغير دليل يوجب نفيًا عامًا لما سوى تلك الطريق؛ لم يقبل منه، فإن النافى عليه الدليل، كما أن المثبت عليه الدليل".

أما ما يؤخذ على الصاوى في هذا الجانب، فإنه يتلخص في تقسيمه المعرفة إلى قسمين، بحسب الطريق الموصل إليها، وإضفاء نوع من الخصوصية على تلك التي تحصل للعبد بطريق الكشف - كما يعبر عنه الصوفية - أو بالإلهام كما تعارف عليه أهل السنة والجماعة. وهذا في حقيقته مبنى على اعتقاد شائع عند المتصوفة، إذ يعدون الإلهام مصدرًا من مصادر التلقى، والذي يسامى منزلة الوحى عندهم.

والأصل في حجية الإلهام واعتباره من المسالك الشرعية في الدين أن يستند في دلالته إلى نصوص الكتاب والسنة وألَّا يستقل بحكم شرعى لا أصل له فيهما، ولذلك كان الإلهام في هذا الباب قد استوفى شرط تحكيمه والعمل بمقتضاه؛ حيث استند اعتباره لما قام عليه الدين جملة وتفصيلًا فوافق أمرًا فطريًا ضروريًا قد جبل الله تعالى خلقه عليه، وأمرهم به، وهو معرفته سبحانه ربًا، خالقًا، رازقًا، مدبرًا، أحدًا، ومن ثم التوجه له بالعبادة وحده. (1)

(1) انظر: بحث الإلهام في كتاب: المعرفة في الإسلام د/ عبد الله القرنى: 80، 81.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام