فهرس الكتاب
الصفحة 135 من 854

ويبين الإمام ابن القيم الضابط الذي يعتمد في هذا الباب، حيث يقول:"والرؤيا كالكشف، منها رحمانى، ومنها نفسانى، ومنها شيطانى. . ."إلى أن قال:"ورؤيا الأنبياء وحى، فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأمة؛ ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل - عليهما السلام - بالرؤيا."

وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحى الصريح، فإن وافقته وإلا فلا". (1) "

وبنفس الضوابط والشروط يقرر الإمام الشاطبى هذه الحقيقة، يقول:". . . لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعًا على حال، إلا أن نعرضها على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها، وإلا وجب تركها والإعراض عنها". (2)

لهذا فإن الإمام ابن القيم يرى أن الكشف الصحيح هو ما كان دليلًا للعبد يعينه في معرفة الحق الذي بعث الله تعالى به رسله، يقول:"فالكشف الصحيح: أن يعرف الحق الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه معاينة لقلبه، ويجرد إرادة القلب له فيدور معه وجودًا وعدمًا، هذا هو التحقيق الصحيح وما خالفه فغرور قبيح". (3)

ويرجع هذا الأصل إلى اعتقاد كفاية الطرق والمسالك التي شرعها الدين للاستدلال على مسائله وأحكامه: علمًا وعملًا، جملة وتفصيلًا، وهو مقتضى التسليم والإيمان بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]

واعتقاد حصول البيان التام بالشرع، لا يمنع الاستئناس بما يدل عليه ويوافقه من طريق النظر أو الكشف، وإنما يقع المحظور في اعتقاد أن ثمة هدى ونور يستقل ببيانه دليل سوى دليل الشرع، ولهذا المعنى أشار العلامة عبد الرحمن المعلمى (4)

(1) مدارج السالكين: (1/ 75) .

(2) الاعتصام: (2/ 78) .

(3) مدارج السالكين: (3/ 214) .

(4) هو عبد الرحمن بن يحيى بن على بن محمد المعلمى العتمى، فقيه من العلماء ولد سنة: 1313 هـ - تولى رئاسة القضاء في عسير ولقب بشيخ الإسلام، له تصانيف كثيرة، منها: التنكيل، والأنوار الكاشفة، ومحاضرة في كتب الرجال وغيرها، توفي رحمه الله: 1386 هـ: الأعلام: (3/ 342) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام