وفي تخريج ما قد يعارض به هذا الاعتقاد من إقراره - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا يعلم الغيب يرى الصاوي:"أنه قال ذلك تواضعًا، أو أن علمه بالمغيب كلِّ علم؛ من حيث إنه لا قدرة له على تغيير ما قدر الله وقوعه."
فيكون معنى قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188] :"لو كان لي علم حقيقى بأن أقدر على ما أريد وقوعه لاستكثرت. ." (1) .
وتأسيسًا لمكانة العلم فإنه يقول:"من سبق في علم الله خسرانه فلا يتأتى له الإيمان في الدنيا" (2) .
في تفسير قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} يذكر الصاوي على جهة التدليل لمرتبة الكتابة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (أول ما خلق الله القلم ثم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة) (3) .
وفي بيان مراتب الكتابة ينقل كلام القرطبي في ذلك، فيقول:"الأقلام ثلاثة في الأصل:"
القلم الأول: الذي خلقه الله تعالى بيده وأمره أن يكتب في اللوح المحفوظ.
والثاني: قلم الملائكة الذين يكتبون به المقادير، والكوائن من اللوح المحفوظ.
والثالث: أقلام الناس يكتبون بها كلامهم، ويصلون بها إلى مآربهم" (4) ."
ومما يتعلق بهذه المرتبة: مسألة المحو، فقد دل قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] على أن بعض ما يقدره الله تعالى كتابة قد
(1) المرجع السابق: (2/ 104) .
(2) المرجع السابق: (2/ 8) .
(3) المرجع السابق: (4/ 220) .
(4) المرجع السابق: (4/ 317) .