هذا إلى جانب الاضطراب الذي وقع فيه آحادهم من القول بوجوب الصلاة على من هو دون البلوغ مع القول بأن أول الواجبات هو المعرفة أو النظر، يقول شيخ الإسلام:"ثم القول بأن أول الواجبات هو المعرفة أو النظر لا يمشى على من يقول: لا واجب إلا بالشرع كما هو قول الأشعرية، وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم فإنه على هذا التقدير لا وجوب إلا بعد البلوغ على المشهور وعلى قول من يوجب الصلاة على ابن عشر سنين أو سبع، لا وجوب على من لم يبلغ ذلك، وإذا بلغ هذا السن فإنما يخاطبه الشرع بالشهادتين إن كان لم يتكلم بهما، وإن كان تكلم بهما خاطبه بالصلاة، وهذا هو المعنى الذي قصده من قال: أول الواجبات الطهارة والصلاة، فإن هذا أول ما يؤمر به المسلمون إذا بلغوا أو إذا ميزوا". (1)
وإذا كانت معرفة الله تعالى متحققة بالفطرة، التي تعنى ملازمة الجبلة البشرية للإقرار بربوبية الله تعالى، وانفراده باستحقاق العبادة، كذلك أمكن تحقق حصولها بغير هذا الطريق، ويكون ذلك عند انطماس معالم الهداية في قلب العبد؛ بسبب وجود الموانع الصارفة من تحقق مقتضى تلك الهداية الفطرية اللازمة للجبلة البشرية، فكانت عناية الله بهذا الخلق الضعيف أن جعل الطرق الدالة عليه أعظم الطرق وأوسعها، فالإلهام (2) أو الكشف (3) طريق إلى معرفة الله تعالى وهو هداية من المولى يختص بها من يشاء من عباده، وقد يحصل بسبب المجاهدة وترك العلائق كما يقول الصوفية - مع الاحتراز -، وقد يحصل بمحض فضل من الله عز وجل؛
(1) درء التعارض: (8/ 12، 13)
(2) الإلهام في اللغة: التلقين، يقال: ألهمه الله الخير: لقنه إياه قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] قال الراغب الأصفهانى: (إلقاء الشيء في الروع، ويختص ذلك بما كان من جهة الله تعالى وجهة الملأ الأعلى) المفردات: 455.
يقول الإمام ابن القيم في الإلهام أنه:"موهبة مجردة لا تنال بكسب البتة", مدارج السالكين: (1/ 69) .
(3) الكشف داخل ضمن دائرة الإلهام ويعرف بأنه: (الإطلاع على ما وراء الحجاب من المعانى الغيبية، والأمور الحقيقية وجودًا وعدمًا) التعريفات للجرجانى: 184.