فهرس الكتاب
الصفحة 131 من 854

وقد حكى إجماع عامة المسلمين على أن النظر لا يجب في حق من آمن إيمانًا جازمًا، الإمام ابن حزم (1) حيث قال:"وقال سائر أهل الإسلام: كل من اعتقد بقلبه اعتقادًا لا يشك فيه، وقال بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن كل ما جاء به حق، وبرئ من كل دين سوى دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه مسلم مؤمن، ليس عليه غير ذلك" (2) .

والحق الذي عليه المعول، أن النظر قد يجب في بعض الأحيان، وعلى بعض الأعيان، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 7, 8] ، وقد استدل شيخ الإسلام بهذه الآيات الكريمة على ما ذكرته، وبين أن الشاهد من الآية هو عود الضمير في قوله: [يتفكروا] على الكفار الذين وصفهم المولى بقوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (3)

ولا شك أن الآيات التي تحث القلب على النظر والتدبر والتفكر كثيرة في كتاب الله تعالى ولكن المراد منها بعيد كل البعد عما يقصده المتكلمون، فهذه أدلة القرآن الكريم تخاطب الفطرة البشرية التي شهدت بربوبية خالقها منذ أن عرفت الوجود وذاقت طعم الحياة بالتفكر والتدبر في هذا الخلق المحكم حتى تصل بذلك إلى اليقين والاطمئنان، فيظهر أثر ذلك عليها علمًا بما يجب في حق الله تعالى، وعملًا بما يرضى الله تعالى.

قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي

(1) هو أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأموى ولد بقرطبة سنة: 384 هـ كان حافظًا عالمًا مستنبطًا للأحكام على المذهب الشافعي ثم انتقل إلى المذهب الظاهرى، أتقن علومًا جمة وألف تواليف كثيرة، منها: الإحكام في أصول الأحكام، والفصل في الملل والأهواء. والنحل وغيرها، توفى سنة: 456: انظر: وفيات الأعيان: (3/ 325) ، شذرات الذهب: (3/ 299) .

(2) الفصل في الملل والنحل (3/ 35) .

(3) انظر: درء تعارض العقل والنقل (8/ 8) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام