الاستدلال على من له أهلية مع تحقق المعرفة عنده؛ امتثالًا لأمر الشارع الحكيم، حيث أمر في كثير من الآيات الكريمة بالتدبر والتفكر، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله:"أهل السنة والحديث لا ينكرون ما جاء به القرآن، هذا أصل متفق عليه بينهم، والله قد أمر بالنظر والاعتبار والتفكر والتدبر في غير آية، ولا يعرف عن أحد من الأمة ولا أئمة السنة وعلمائها أنه أنكر ذلك، بل كلهم متفقون على الأمر بما جاءت به الشريعة من النظر والتفكر والاعتبار وغير ذلك، ولكن وقع الاشتراك في لفظ النظر والاستدلال، ولفظ الكلام، فإنهم أنكروا ما ابتدعه المتكلمون من باطل نظرهم واستدلالهم، فاعتقدوا أن إنكار هذا مستلزم لإنكار جنس النظر والاستدلال". (1)
وللإمام الحافظ ابن حجر (2) كلام نفيس في هذه المسألة حيث قام بعرض الأقوال المختلفة ومناقشتها، وذلك بتفنيد الأقوال الباطلة وتقرير الحقائق المستمدة من الكتاب والسنة، فبعد أن ذكر الأقوال المتعددة حول النظر وجوبًا وتحريمًا، مال - رحمه الله - إلى الاعتدال - شيمة أهل الحديث - ونقل كلامًا مهمًا يعد من الأقوال الحاسمة للخلاف في المسألة، يقول:"ونقلت من جزء الحافظ صلاح الدين العلائى: يمكن أن يفصل فيقال: من لا له أهلية لفهم شيء من الأدلة أصلًا، وحصل له اليقين التام بالمطلوب، إما بنشأته على ذلك، أو لنور يقذفه الله في قلبه؛ فإنه يكتفى منه بذلك. ومن فيه أهلية لفهم الأدلة لم يكتف منه إلا بالإيمان عن دليل، ومع ذلك فدليل كل أحد بحسبه، وتكفى الأدلة المجملة التي تحصل بأدنى نظر، ومن حصلت عنده شبهة وجب عليه التعلم إلى أن تزول عنه". (3)
(1) نقض المنطق: 47، 48.
(2) هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن على بن محمد بن محمد الشهير بابن حجر العسقلاني الأصل المصرى المولد والنشأة ولد سنة: 773، وتوفى سنة: 852، اشتغل بالفقه والعربية وصار حافظ الإسلام، انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم، له مؤلفات عميمة النفع من أشهرها شرحه على صحيح البخاري. انظر: شذرات الذهب: (7/ 270) .
(3) فتح الباري: (13/ 354) .