وكان هذا معتقد الأئمة الهداة. ومن ذلك ما جمعه الإمام ابن عبد الهادى (1) في كتابه:"التمهيد في الكلام على التوحيد"، من آيات وأحاديث صحاح مؤكدًا هذه الحقيقة، حيث قال: فإن أول واجب على العبد: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وابتدأ الاستشهاد بقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18]
وكل الأدلة التي أردفها هذه الآية الكريمة تبين أهمية التوحيد الذي أرسلت به الرسل، وأن هذا هو أول وآخر ما يطلب تحققه من العبد، وتكون به النجاة يوم القيامة. (2)
وهذا مما تظهر فيه سماحة الإسلام، حيث يقع التكليف على كل فرد بما يقتضيه حاله، فالكافر يؤمر بالشهادتين، والمسلم يؤمر بالطهارة إن لم يكن متطهرًا، وإن كان متطهرًا أمر بالصلاة، يقول شيخ الإسلام:"وفى الجملة فينبغى أن يعلم أن ترتيب الواجبات في الشرع واحدًا بعد واحد، ليس هو أمرًا يستوى فيه جميع الناس، بل هم متنوعون في ذلك، فكما أنه قد يجب على هذا ما لا يجب على هذا، فكذلك قد يؤمر هذا ابتداءً بما لا يؤمر به هذا، فكما أن الزكاة يؤمر بها بعض الناس دون بعض، وكلهم يؤمر بالصلاة فهم مختلفون فيما يؤمر به ابتداءً من واجبات الصلاة، فمن كان يحسن الوضوء وقراءة الفاتحة ونحو ذلك من واجباتها أمر بفعل ذلك، ومن لم يحسن ذلك أمر بتعلمه ابتداءً، ولا يكون أول ما يؤمر به هذا من أمور الصلاة هو أول ما يؤمر به هذا. . .". (3)
وينبنى هذا الأصل عند جمهور السلف على اعتقاد فطرية معرفة الله تعالى - كما
(1) هو أبو المحاسن، جمال الدين، يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادى القرشي والدمشقى، الصالحى، من فقهاء الحنابلة، ومن أكابر المحدثين، له تصانيف كثيرة في شتى العلوم، منها: التمهيد في الكلام على التوحيد، رسالة في التوحيد وفضل لا إله إلا الله، عظم المنة بنزل الجنة. توفى سنة 909 هـ. انظر: شذرات الذهب: (8/ 43) .
(2) انظر الكتاب: تحقيق د. محمد عبد الله السمهري.
(3) الدرء (8/ 16) .