لذا سمى الغزالي ما حل به مرضًا، وكانت الهداية التي حصلت له من الله تعالى شفاء لهذا الداء الذي أصابه (1) .
-أما القول بأن أول الواجبات هو: النظر، أو القصد إليه أو معرفة الله تعالى، فغير صحيح، بل الذي يراه المحققون من أهل السنة والجماعة استنباطًا من أدلة الكتاب والسنة، والتى هي بحق العمدة في المسائل التي تعد من أصول الدين، أن أول واجب على المكلف هو توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة، وإن حصل منه ذلك قبل التكليف لم يطالب بالتجديد وإنما بالاستمرار والمثابرة.
وهذا الأصل هو مقتضى التسليم بدلالة النصوص الشرعية، التي تقرر مكانة التوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة، وأنه منهج الرسل جميعًا - عليهم الصلاة والسلام - في مبدأ دعوتهم أقوامهم إلى الله، فكل نبى يبدأ دعوته بالتوحيد قائلًا: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (2) :"والنبى لم يدع أحدًا من الخلق إلى النظر ابتداءً، ولا إلى مجرد إثبات الصانع، بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان، وبذلك أمر أصحابه، كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ بن جبل - رضى الله عنه - لما بعثه إلى اليمن: إنك تأتى قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فاعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم". (3)
(1) انظر: المرجع السابق: 23.
(2) الدرء: (8/ 6، 7) .
(3) البخاري: كتاب الزكاة باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة: 1458، وباب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء: 1496.