بطريقه، يقول الأشعري:"إن أول الواجبات على شرط تقدم النظر والاستدلال، لأنه لا يصح وقوع تلك المعرفة إلا عن النظر والاستدلال". (1) وتظهر المخالفة جلية عند عرضه لأقوال المتصوفة على جهة التقرير، وفي موقفه من التقليد في باب التوحيد.
-أما القول بأن أول الواجبات على المكلف: الشك وهو قول بعض المعتزلة كما سبق، فهذا المعتقد كما قرر شيخ الإسلام مبنى على أصلين:"أحدهما: أن أول الواجبات النظر المفضى إلى العلم، والثانى: أن النظر يضاد العلم، فإن الناظر طالب للعلم، فلا يكون في حال النظر عالمًا".
وهو ما يسمى عند شيخ الإسلام بالنظر الطلبى؛ لأن صاحبه يطلب الاستدلال على المبادئ التي لا يمكن طلبها بدليل، يقول شيخ الإسلام:"لكن النظر الذي يستلزم العلم غير النظر الذي يضاده. فالنظر الذي يستلزم العلم هو النظر الاستلالى وهو النظر في الدليل: فإذا تصور الدليل وتصور استلزامه للحكم علم الحكم، والنظر الذي يضاد العلم هو النظر الطلبى، وهو نظر في المطلوب حكمه؛ هل يظفر بدليل يدله على حكمه أو لا يظفر، كطالب الضالة والمقصود قد يجده وقد لا يجده، وقد يعرض عنهما، فإن الأول انتقال من المبادئ إلى المطالب، والآخر انتقال من المطالب إلى المبادئ". (2)
ولا شك أن الانتقال من المطالب إلى المبادئ يجعل تحصيلها بعيدًا، وهذا الذي قرره الغزالي في حكاية حاله مع الشك فبين أن الذي أدى به إلى هذا الطريق هو شكه في المبادئ المسلمة التي يستدل بها ولا يستدل لها، يقول:"والمقصود من الحكاية أن يعلم أن كمال الجد في الطلب حتى ينتهى إلى طلب ما لا يطلب؛ لأن الأوليات ليست مطلوبة فإنها حاضرة والحاضر إذا طلب فقد واختفى". (3)
(1) مجرد مقالات الأشعري: 250.
(2) الرد على المنطقيين: 352، 353.
(3) المنقذ من الضلال: 23.