وشَرٌّ منهم: الجهمية الباطنية فهم غلاة الغلاة؛ فإنهم ينفون النقيضين , ينفون الصفات ونقائضها , يقولون: ليس بسميع ولا أصم , ولا بصير ولا أعمى , ولا موجود ولا معدوم , ذكر هذا شيخ الإسلام في مواضع من التدمرية وغيرها [1] .
ودون هؤلاء وأولئك: المعتزلة؛ فإن المشهور من مذهبهم أنهم يثبتون الأسماء , لكنهم يجعلونها أسماء محضة , لا تدل على
معانٍ , إنما هي أعلام محضة [2] , وينفون سائر الصفات , ولا يثبتون هم والجهمية إلا ذاتًا مجردة عن جميع الصفات.
ودون هؤلاء: الأشاعرة والماتريدية؛ فهم أقرب إلى أهل السنة حيث يثبتون بعض الصفات على ما في إثباتهم من انحراف ومن فساد , كما أنهم يثبتون - مثلا - صفة الكلام، لكنه ليس على الوجه المعقول والمشروع [3] .
فكل من نفى شيئًا يسمي من أثبته مشبهًا , فالغلاة يسمون الجهمية مشبهة , والجهمية يسمون المعتزلة مشبهة لإثباتهم الأسماء , والمعتزلة يجعلون الأشاعرة بناءً على مذهبهم مشبهة لأنهم يثبتون بعض الصفات , والجميع يجعلون أهل السنة مشبهة.
وبهذا يتبين أنَّ فِرَقَ التعطيل متناقضون , ومن طريقة شيخ الإسلام - رحمه الله - أن يضرب بعضهم ببعض [4] , وهذا هو المعنى الذي نقله الشيخ بعباراته لكن مضمونه قد قرره شيخ الإسلام ابن تيمية , فالأشاعرة قد فرقوا بين المتماثلات , حيث أثبتوا بعض الصفات زاعمين أن العقل يدل عليها , ونفوا بعض الصفات زاعمين أن العقل
(1) التدمرية (ص 85) .
(2) التدمرية (ص 92) .
(3) التدمرية (ص 116) .
(4) التدمرية (ص 116) .