لكن إن لم تبلغه الحجّة في الدنيا لا يعذّب في الآخرة إلاّ بعد الإمتحان لقوله تعالى:"و ما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا"، أي حتّى تبلغهم نذارة الرسل.
و من أدلّة على هذا:
ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن الأسود بن سريع مرفوعاً قال:
"أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفترة وأمّا الأصم فيقول: ربّ لقد جاء الإسلام والصبيان يرمونني بالبعر، وأمّا الهرم فيقول: ربّ لقد جاء الإسلام وما أعقل، وأمّا الذي مات في الفترة فيقول: ربّ ما أتاني من رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم رسولاً أن أدخلوا النار فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً"، ثمّ رواه من حديث أبي هريرة بمثله وزاد في آخره"ومن لم يدخلها رد إليها".
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهودي ولا نصراني ثمّ يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار"مسلم
علق النبيّ صلى الله عليه وسلم العذاب بالنار يوم القيامة في هذا الحديث على السمع، هذا منطوق الحديث، أمّا مفهوم الحديث فإنّه يدل أنّ من لم يسمع بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم تصله نذارة الرسل فهو ليس من أهل النار، وإنما يُرجأ أمره إلى الله عز وجل.
قال الإمام النوويّ في شرحه على هذا الحديث: وفي مفهومه: أنّ من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور، قال: وهذا جار على ما تقرر في الأصول، لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح. انتهى.
و لا يدخل في هؤلاء من بلغته الدعوة ثمّ أعرض عنها أو غفل عنها كما مرّ مرارا.