لم يحكموا عليهم جملة وتفصيلاً دون إيضاح ولا بيان، وإن كانوا قد حكموا على مقالاتهم بالكفر والضلال، ولكن أعيانهم لم يحكموا عليهم إلا بإثبات الشروط وانتفاء الموانع، وهذا من عدلهم وبرهم -رحمهم الله- ودونك بعض أقاويلهم في هذا الشأن:
1.قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في كتابه الفذ (الأم) (6/ 205 - 206) ما نصه:
(فلم نعلم أحداً من سلف الأمة يقتدى به، ولا من التابعين بعدهم ردّ شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله، ورآه استحل فيه ما حُرِّم عليه، ولا ردّ شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول، وذلك أنا وجدنا الدماء أعظم ما يعرض الله بها بعد الشرك، ووجدنا متأولين يستحلون الدماء بوجوه، وقد رغب لهم نظراؤهم عنها وخالفوهم فيها، ولم يردوا شهادتهم بما رأوا من خلافهم فكل مستحل بتأويل من قول أو غيره فشهادته ماضية ولا ترد من خطأ في تأويله ... ) ا. هـ
2 -وهذا مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- كما نقل ذلك عنه شيخ الإسلام في الفتاوى (7/ 507) فما بعدها: (مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم ... لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم .. وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالاً مبتدعين، وظالمة فاسقين) ا. هـ
3 -وقال في الفتاوى (12/ 489) حاكياً مذهب أحمد وغيره في المتأولين: (وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوماً معينين، فإما أن يذكر عنه في المسألة