فهرس الكتاب
الصفحة 33 من 111

ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، إن العلامة ابن تيمية -رحمه الله- هو إمام من أئمة المسلمين يخطئ ويصيب مثله مثل غيره من علماء الأمة، إلا أنه لما اعتنى بكتب السلف، وقام وذب عن منهجهم، وتصدى لكل متنكب لطريقهم، فصنف الكتب في الذب عن السنة والكتاب ونصر طريقة الأوائل من علماء السلف، صار من يقول من علماء الأمة أن الشيخ تقي الدين ابن تيمية وارث علم السلف، وذلك يتضح من مصنفاته -رحمه الله- فإنها مشحونة بأقاويل السلف في كل أبواب الدين، لا سيما أبواب الاعتقاد، ولما كان هذا حاله، عظم شأنه، وطار صيته، وتكلمت عليه الطوائف، بين مؤيد ومعارض، وثالث متوقف، وبالجملة فقد صار شيخ الإسلام محنة أهل السنة، والناس فيه على طائفتين:

الأولى: تعظمه وتغلوا به، حتى تلحقه بالأئمة الكبار من الصحابة والتابعين، حتى كأنما صار مذهباً خامساً من مذاهب أهل السنة، حتى غلا فيه البعض فصار يقدم أقواله على نصوص الكتاب والسنة، وهذا غلو مفرط، وتقليد عجيب، ممن ينتمي إلى طريقة السلف.

الثانية: تسبه وتلعنه، بل أفضى الأمر ببعضهم إلى تفسيقه وتكفيره، وهذا حال معظم الطوائف، وهذه بلوى الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- فإنه لما وقع في عرض الناس وقع الناس في عرضه، حتى صار مسبّة الطوائف، وفي القدم قيل: (من عاب الناس عابوه) ، وهذا حال الإمام مع فرق الأمة، لكن هذا الأمر لا يضيره، لأنه -رحمه الله- كان غالباً ما يتكلم على الناس بعدل وإنصاف، من غير غلو ولا إجحاف، إلا أنه لما وقع في بعض الأئمة الكبار ممن هم أئمة الدين عند عامة الأمة كأمثال الفخر الرازي، والغزالي، وابن الجوزي، والعز بن عبد السلام، وغيرهم مثل أئمة أهل الكلام كأبي بكر الباقلاني وابن فورك وغيرهم الكثير، صار الناس يتحاملون عليه بذلك، ويردون أقواله بحق وباطل، وانضاف إلى ذلك ما كان

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام