فهرس الكتاب
الصفحة 34 من 111

يعتري شيخ الإسلام من حدة عندما كان ينزل إلى ساحات المعترك مع الخصوم، فلأجل هذا صار كثير من الطوائف يتحاملون عليه، وصاروا يردون أقواله بحق وباطل، وأنا طالعت كثيراً من مصنفات الشيخ تقي الدين، فغالبها حكاية ردود على المخالف بحق وعدل، إلا أنه أحياناً قد يحيد به القلم إلى شيء من الشدة والقسوة، ومثال ذلك ما كان تدفق به قلمه على الشيخ العز بن عبد السلام، حتى نسبه إلى طريقة الملاحدة، كما في كتابه (نقض المنطق) .

والشاهد من هذا كله، هو أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- نصر طريقة السلف نصراً مؤزّراً، وزيف أقاويل الفرق كلها، متمسكاً بثلاثة أصول، بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، ولذلك صار عند كثير من المتأخرين من محرري منهج السلف، حتى أصبح عُمدة المتأخرين فيما ينقلونه عن السلف في كل أبواب الدين، ولذلك جعل ينتمي إليه وينتسب إليه كل من ينتسب إلى طريقة السلف، ولهذا ما من أحد ينصر أقوال الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الأوائل، إلا وتجده يؤيد قوله بما كان عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وصار كل من يتكلم بمسألة سلفية لا سيما في مسائل الاعتقاد، إذا أراد أن يفحم الخصم ساق له مجموعة من أقوال شيخ الإسلام في المسألة المراد بيانها، فهو -رحمه الله- عُمدة المتأخرين فيما يحكمونه عن السلف، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك يلقبونه بشيخ الإسلام، ووارث علم السلف، وبالإمام السلفي، إلى غير ذلك من الألقاب الحسنة في حق هذا الرجل العظيم، حتى إنك إذا رأيت لقب"شيخ الإسلام"في أقلام العلماء المتأخرين بقولهم: (وقال شيخ الإسلام في هذه المسألة ... ) ، فإنما المراد غالباً هذا الإمام تقي الدين ابن تيمية، وانظر لذلك كتاب (الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر) لابن ناصر الدين الدمشقي -رحمه الله-.

وبالجملة: فالشيخ ابن تيمية إمام عظيم بلا مدافعة، ومساوئه لا تكاد تذكر في بحر حسناته، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، إلا أنه له هنَّاتٌ وفلتات لا يخلو منها إلا من عصمه الله، والواجب على طلبة العلم ألا يغلوا فيه ولا يجفوا عنه، فيعتبر بأقواله إذا وافقت الكتاب والسنة، وإذا خالفتهما ردها عليه، فمثله مثل غيره يؤخذ منه ويرد، وهذه هي طريقة السلف الصالح، ولو كان يَحِلُّ للمسلم أن يقلد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام