والشاهد من هذا كله؛ أن المرجئة حصروا وأرجعوا أنواع الكفر إلى أصل واحد ألا وهو التكذيب، وهم متناقضون في ذلك، حتى أن كثيراً منهم يدخلون أعمال القلوب في الإيمان، وهذا مما يلزمهم أن يدخلوا أعمال الجوارح فيه، كما هو مذهب السلف في الإيمان من أنه قول وعمل، لأنه متى ما دخل في القلب عمله من الحب والإخلاص لزم من ذلك إدخال أعمال الجوارح ولا بد، ويدلك على هذا قول كثير من المرجئة في أن التصديق الذي أراده الله من عباده هو التصديق الإذعاني، فلأجل هذا قسم بعض العلماء ومنهم بعض المرجئة التصديق إلى نوعين:
1.التصديق المجرد: وهذا التصديق هو الذي يطلق عليه بالتصديق الناقص، لأنه لم يستلزم عملاً في القلب ولا عملا في الجوارح ويسمونه تصديقاً غير تام.
2.وهو التصديق الإذعاني الذي يستلزم حركة في القلب وحركة في الجوارح، ويقال له التصديق التام، وهذا هو حقيقة التصديق الذي دعى إليه الأنبياء، فكثير من المرجئة حين يتكلم عن التصديق، يريد هذا التصديق من النوع الثاني، وهذا مما يلزمهم أن يدخلوا أعمال الجوارح في مسمى الإيمان؛ لأن الإذعان شيء زائد في القلب عن مجرد التصديق وهو عمله.
وهنا أمر مهم للغاية وهو أن السلف لما صاروا يردون على المرجئة حين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، بأن قالوا لهم: الإيمان قول وعمل، يعني قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح، وهذا بإجماع أهل السنة أن القول إنما يراد به الذي يظهر على اللسان، وأما العمل فإنما يراد به الذي يظهر على الجوارح، هذا فيما يتعلق بالقول والعمل على الظاهر، وأما في الباطن فإنما يراد بقول القلب التصديق، وبعمل القلب الحب والإخلاص، فدليل قول القلب اللسان، ودليل عمله ما يظهر على الجوارح، فإذا أبى المرء أن يشهد بلسانه بالشهادتين، وقال لا أشهد بذلك ولا أعترف به، دل ذلك على تكذيبه في الباطن وانتفاء قول القلب، وكذا إذا أبى أن يعمل بجوارحه مع القدرة على ذلك، دل هذا على إنتفاء عمل القلب منه في الباطن، وكلاهما كفر صريح، والأول يسمى كفر التكذيب، وهو قليل في الكفار، والثاني يسمى بكفر الإعراض وهو كثير فيهم، فهذا من أعظم الأصول التي