فهرس الكتاب
الصفحة 39 من 111

خالف فيه أهل السنة المرجئة، ولذلك لما أورد أهل السنة عليهم بأن العمل لا ينفك عن أصل الإيمان، أجاب بعض المرجئة بأن المرء إذا قال فقد عمل، وهذا خطأ فادح، فإنه وإن كان العمل يطلق على حركة اللسان، لكن الشرع إنما عنى بالعمل عمل الجوارح، ولم يرد قول اللسان باعتباره عملا وحركة، وهذا أصل مهم من أعظم أصول أهل السنة، أن العمل إذا أطلق في مسمى الإيمان إنما يراد به أعمال الجوارح دون اللسان، فهذا هو أصل العمل في مسمى الإيمان شرعاً، ولذلك أجمع السلف على أن قول اللسان غير داخل في أعمال الجوارح، ولهذا جعلوه مغايراً لحركة الجوارح، فكانوا يقولون عن الإيمان قول وعمل، ليدللوا بذلك على أن الإيمان لا يستقيم في الظاهر إلا بأمرين، بحركة اللسان الذي هو القول، وبحركة الجوارح التي هي الأعمال، فمن قال ولم يعمل مع القدرة على ذلك، فقد أتى بأصل واحد من أصلي الإيمان وهو التصديق، وهذا لا يكفي لإطلاق مسمى الإيمان عليه، ومن عمل ولم يتكلم فهذا يمتنع أن يصدر مع إيمان تام في القلب، وهذا لا يتصور وجوده، فيستحيل أن يكون الرجل يحب الله ورسوله ثم هو مع ذلك يمتنع أن يشهد لله بالوحدانية، وأن يشهد لنبيه بالرسالة، والحاصل أن السلف لم يطلقوا على قول اللسان أنه عمل، وإنما حصروه بأعمال الجوارح، لهذا أنكر الإمام أحمد على شبابة ابن سوّار، أحد الرواة المرجئة، أنكر عليه الإمام أحمد إرجاءه، وقال: إنه يقول إن الإيمان هو القول، ونحن نقول هو قول وعمل، فقالوا له: يا أبا عبد الله وهو يقول إذا قال فقد عمل، فقال: هذا قول خبيث، ما سمعت أحداً يقوله.

فافهم هذا، فإنه من الأصول عند أهل السنة وبالله التوفيق.

وبهذا نكون قد أتينا على معنى حقيقة الإيمان والكفر عند المرجئة، وأن الإيمان عندهم منحصر في شيء واحد ألا وهو التصديق، وأن الكفر منحصر في شيء واحد -أيضاً- ألا وهو التكذيب، وأنه يمتنع عندهم أن يستهزئ المرء بالله ورسوله، أو يقول أو يفعل الكفر، وهو مصدق في الباطن، بل هذا عندهم علامة على كفره في الباطن وهو التكذيب، أما على أصول أهل السنة؛ فإن هذه الأفعال أو الأقوال كفر ظاهراً وباطناً، وليست علامة على الكفر، وذلك أن الإيمان عندهم مركب من أصلين وهما: القول والعمل، فمتى ارتكب الإنسان مثل هذه الأشياء الكفرية، كان

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام