أنه لا يجزىء صاحبه حتى يأتي بثلاثة قول وعمل ونية، وهذا منقول عن غير واحد منهم، والإجماع أقوى الأدلة ولا يجوز الاجتهاد في معرض النص، لأنه نص في محل النزاع وسيأتي شيء من أقاويلهم -رحمهم الله- في ذلك إن شاء الله في جواب السؤال اللاحق.
وبهذه الأجوبة تتهاوى شبه المرجئة، فما من شبهة لهم إلا وفي الأجوبة السابقة رد عليها، ومنها احتجاجهم بحديث الرجل الذي لم يعمل خيراً قط فلا بد من تأويله على ما سبق، وأما زعمهم بأنه نص ظاهر في أن ترك العمل منج عند الله، فالجواب عن ذلك زيادة عما سبق بأن نقول قوله صلى الله عليه وسلم (لم يعمل خيراً قط) لا يعني هذا ترك العمل بالكلية إذا فهمنا أن ترك العمل غير كاف للنجاة، كما قد تقرر سابقاً، فالجواب عنه من وجوه:
1 -أن من طريقة أهل السنة إذا عجزوا عن فهم نص مع يقينهم بأنه لا بد لهم من تأويله، بسبب أن ظاهره يصادم أصلاً من أصول الإسلام؛ أنهم إذا عجزوا عن فهمه فمن طريقتهم تفويض علم ذلك إلى الله -تعالى-، فلا ريب حالهم كما قال -تعالى-: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا .. ) الآية، وهذا من أعظم أدبهم مع ربهم جل وعلا، أنهم يسلمون أمرهم عند عجزهم إلى خلاقهم، وهذا سبيل العقلاء الذين سماهم الله أولي الألباب، فالواجب التسليم عند العجز عن الفهم وسؤال العبد لله الفتح عليه في مثل هذه النصوص المتشابهة.
أما طريقة أهل البدع والضلال كالمرجئة وأمثالهم، فإنهم يتبعون مثل هذا المتشابه، ليفروا من بوابة المحكم، وهذه طريقة أهل الزيغ كما قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَاوِيلِهِ) فهؤلاء هم أهل الفتنة، ومنهم تشتعل الفتن في أمة الإسلام فيدب الخلاف في أوساطها حتى يلعن بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً، وإذا دبّ التنازع في أمة من الأمم صارت ضعيفة ولقمة سائغة لأعدائها، كما قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) فإذا تنازعت الأمة ذهبت ريحها، وصارت في مؤخرة القافلة، وهذه علامة الخذلان، ولا بد لهذا الخذلان من أسباب وسنة كونية إذا ارتكبتها الأمة صار حالها كما ذكرنا، ولا شك