فهرس الكتاب
الصفحة 23 من 111

أن من أعظم هذه الأسباب نشوء البدع التي منها تنبثق الفتن وبها يتفجر الخلاف حتى تصبح الأمة أمة ممزقة كما ذكرنا آنفاً.

2 -أن علماء أهل السنة قد تكلموا في شرح هذا الحديث وذكروا فيه أقوالاً عدة في بيان أنه ليس على ظاهره، وذلك في صدد ردهم على المرجئة وكان أقوى هذه الردود ما حكاه بعض السلف أن قوله عليه السلام"لم يعمل خيراً قط"إنما أراد بذلك المبالغة والتهويل، وهذا أسلوب معروف في لغة العرب فإنك إذا قلت لإنسان: اعمل لي أمراً ولم يقم به على أتم وجه، قلت له: يا هذا إنك لم تعمل شيئاً قط، وذلك على سبيل المبالغة منك، وأنت بقولك هذا لم تنفِ أصل العمل، ولكنك نفيت كماله، ودليل هذا من السنة ما ثبت في الصحيح في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً وفيه:"أن العالم قال له اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن فيها قوماً صالحين فاعبد الله معهم فذهب تائباً إلى الله تعالى إلى تلك القرية وفي الطريق وافته المنية فتنازعته الملائكة، أعني ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط"وهذا الأخير هو الشاهد. وهو أن ملائكة العذاب نفت أن يكون قد عمل خيراً قط، ولا شك أنه قد عمل شيئاً من الخير، ومنه مشيه إلى القرية الصالحة، لاشك أن هذا خرج في سبيل الله وطاعته، ومع هذا قالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيراً قط، فإنها لم تُرِدْ أصل العمل وإنما أرادت كماله، فهذا من أعظم ما يدلك على أن هذا الأسلوب موجود في كلام العرب من إطلاق نفي أصل الشيء على نفي كماله، وعلى هذا يكون فهم الحديث، فقوله عليه السلام في هذا الحديث التي احتجت به المرجئة: لم يعمل خيراً قط، إنما أراد عليه السلام نفي كمال العمل لا نفي أصله، وهذا مذهب بعض أهل العلم كإمام الأئمة ابن خزيمة -رحمه الله- كما في كتابه التوحيد وبمثل هذه الأجوبة يجاب على كل ما احتجت به المرجئة فليس لأهل البدع أدلة صحيحة وإنما هي شبه غير صريحة، وهذا كما قال الشاعر:

شبه تهافت كالزجاج ... تخالها حججاً وكل كاسر مكسور

وبالله التوفيق

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام