فهرس الكتاب
الصفحة 21 من 111

من الحب والتعظيم، وهذه من أكبر الأدلة على أن المرجئة يلزمهم أن يدخلوا الأعمال في حقيقة الإيمان أعني بذلك (أعمال القلوب) من الحب والتعظيم، فإذا التزموا ذلك لزمهم إدخال عمل الجوارح، لأنه يمتنع أن يكون في القلب عمل ولا يظهر أثره على الجوارح، وإذا لم يلتزموا ذلك لزمهم القول بأن يحكموا بإسلام من يفعل ذلك من سب الله ورسوله لأنه قد يكون مصدقاً في الباطن، فلو قالوا سب الله ورسوله دليل تكذيبه في الباطن وعدم تصديقه، لقلنا لهم: القرآن يكذبكم بذلك، فإنه أثبت لبعض أئمة الكفر التصديق مع أنهم كانوا من أشر الناس.

فإذا كان الأمر كذلك فكيف يذهبون إلى أن المرء ينجو بمجرد تحريك اللسان بكلمة التوحيد مع عدم قيامه بشروطها مع القدرة على ذلك والتمكن منه، وإذا كان الكلام معهم على أن هذه الكلمة لا بد لها من شروط فلا ريب أن العمل بها وبمقتضاها من أعظم شروطها، فمن قال لا إله إلا الله ولا يعمل بمقتضاها دل على أنه كاذب بها لأن الحب والعمل متلازمان، فمن زعم المحبة مع تركه العمل كان كافراً، ومن عمل من غير محبة كان منافقاً، وهذا أصل عظيم يطول ذكره، وإنما قصدنا هنا بيان تناقض المرجئة.

2 -أننا قررنا فيما سبق أن من أصول أهل السنة أنهم يحملون المتشابه من النصوص على المحكم منها، والعام على الخاص، والمطلق على القيد، والمجمل على المفصل، حتى لا يضربوا النصوص بعضها ببعض، وحديث البطاقة وأمثاله هو مطلق وقد جاء مبيناً بحديث آخر وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: (من قال لا إله إلا الله صدقاً من قلبه دخل الجنة) . فقوله عليه السلام صدقاً من قلبه فهذا يدل على أنه لا بد مع هذه الكلمة من العمل، لأن حقيقة الصدق هو الإخلاص وهو شيء زائد على التصديق فاقتضى أن يكون من جنس عمل القلب، وعمل القلب دليله عمل الجوارح كما أبنا سابقاً، فيقتضي ذلك أنه لا بد مع هذه الكلمة حتى تُنجي صاحبها من صدق وإخلاص وهذا هو عمل القلب المقتضي لعمل الجوارح.

3 -لقد سبق أيضاً أن قررنا أن من أصول أهل السنة فهم السنة بفهم سلف الأمة، وقد نقل غير واحد من السلف الإجماع على أن الإيمان قول وعمل، وعلى

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام