وعلى هذا يظهر لكل منصف أن كل نص شرعي يحتج به المرجئة على مذهبهم الفاسد إنما هو من المتشابه وليس من المحكم، فالواجب في ذلك تحكيم طريقة القرآن التي أمر الله بها بقوله:
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) فهذه طريقة الراسخين في العلم، وأما طريقة المرجئة وأمثالهم من أهل البدع والفرق المنحرفة عن الجادة فهي الطريقة التي حذر الله منها بقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَاوِيلِهِ) فهؤلاء أهل الفتنة، المختلفون في الكتاب، المخالفون للكتاب فيجعلون المتشابه محكماً والعام خاصاً، ابتغاء ضرب النصوص بعضها ببعض وهذه هي الفتنة، وذلك أنه من علامة أهل البدع الاحتجاج بالعموم مع عدم الرجوع إلى فهم السلف وما جروا عليه في فهم هذه النصوص وأمثالها، وسبيل المؤمنين الذي أمر الله باتباعه وتوعد كل من شق عصاه هو سبيل السلف، كما قال تعالى في كتابه: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) فأخبر سبحانه أن من اتبع غير سبيل المؤمنين فهو معرض للوعيد ولا شك أن السلف من أولى الناس دخولاُ في هذه الآية فمن شق سبيلهم وخالفهم فهذا إيذان بانحرافه عن جادة الصواب إلى جادة الهاوية والعياذ بالله، فهذا أصل عظيم عند أهل السنة في أن فهم الكتاب والسنة إنما يكون بفهم سلف الأمة ومن تأمل هذا الأصل بان له سبب انحراف الفرق الإسلامية، وبيان الأمر الذي حدا بهم إلى هذا الانحراف العظيم في فهم الإسلام، فإنهم بابتعادهم عن هذا الأصل صاروا يتخبطون في ظلمات البدع والضلال ويخبطون خبط عشواء، وإذا تأملت في البدع التي أطلت برأسها في تاريخ العالم الإسلامي بان لك أن من أعظم دليل على وجودها هو إغفال هذا الأصل العظيم، فافهم هذا فإنه مهم غاية الأهمية ولذلك اقتضى المقام التطويل في ذكر ذلك، لأهميته.
والمقصود: هو بيان أن القرآن الكريم لم يجعل أصل التصديق من غير عمل كاف في النجاة في الدار الآخرة، فهذه نصوص الكتاب والسنة تبين أن العمل لا بد وأن يكون مع التصديق، ومحله إنما يكون في القلب وتظهر آثاره على الجوارح لزاماً أي