وهو شيء خفي في القلب فما الدليل على أن عندك أصل عمل القلب؟ لقال: جوارحي من صلاة وزكاة وصيام إلى غير ذلك.
وأما إن قال أن عملي في لساني فهو قول خبيث، ولم يجعل السلف اللسان عملاً للقلب، وإنما جعلوه قول القلب، فالشاهد أنه إذا انتفى عمل الجوارح، دلّ ذلك على انتفاء عمل القلب، ومن ها هنا نشأ لأهل السنة أن الإيمان: قول وعمل، قول باللسان وعمل بالجوارح، فقالوا: قول القلب وهو التصديق ودليله قول اللسان، وعمل القلب وهو الخشية والحب ودليله عمل الجوارح فلا ينفع قول إلا بعمل فهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة، وإنما وقع المرجئة في ضلالهم لما ظنوا أن التصديق منجٍ وحده عند الله، وإن لم يلحقه عمل، ومن ها هنا ظنوا أن حديث البطاقة وما أشبه ذلك من الأحاديث والنصوص الشرعية تبيِّن أن الإنسان قد يدخل الجنة بغير عمل يعمله، وهذا خطأ عظيم نشأ لهم لما ظنوا أن الإيمان هو مجرد التصديق وأن الأوائل من صناديد الكفر الذين حاربوا الأنبياء إنما كفروا لتكذيبهم وهذا باطل، إذ أن القرآن مملوءٌ ببيان أن الكفار كان عندهم أصل التصديق، وإنما كفروا لتركهم جنس أعمال القلوب، وبيان ذلك في آيات عدة منها:
1 -قال تعالى عن كفار قريش: (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ) فصرح رب العالمين أن الكفار لا يكذبون بالرسالة وإنما يجحدونها جحداً، وهم مقرون بصدقها وهذا حقيقة الجحد وهو دفع الحق مع الاعتراف به باطناً.
2 -وقال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) . عن آل فرعون فهم مستيقنون برسالة موسى عليه السلام وإنما دفعوها جحداً.
والآيات كثيرة في هذا الباب تبين بأن هؤلاء الكفار كان عندهم الإيمان برسالات الأنبياء وإنما دفعوها جحداً واستكباراً فأصل التصديق كان موجوداً عندهم ومع هذا كانوا من أكفر ما جاء به الله ورسوله فهل التصديق على هذا يكون منجياً عند الله؟!
فهذا الحق ليس به خفاء ... فدعني عن بنيات الطريقِ