وأما من السنة فكثيرة، تلك النصوص التي تصدّق القرآن، كقوله -صلى الله عليه وسلم- عندما سأله وفد عبد قيس فقالوا: (أخبرنا بعمل ندخل به الجنة ونخبر به من ورائنا قال: الإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: الإيمان أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت وتأدوا من المغنم الخُمس .. ) الحديث. وهو في الصحيحين وهذا الحديث فيه أنّ من لم يأتِ بالعمل لا يكون أتى بحقيقة الإيمان.
ومن السنة أيضاً حديث حذيفة -رضي الله عنه- في الصحيح حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) .
قال السلف: القلب ملك والجوارح جنوده، فإذا تعطل الملك تعطلت الجنود، وإذا فسد الملك فسدت الجنود، فإن القلب إذا صلح صلحت الجوارح، فيستحيل عند أهل السنة أن يكون القلب صالحاً وينبض بالتوحيد ولا يظهر ذلك على الجوارح فإن عدم ظهور ذلك على الجوارح هو علامة الزندقة والكفر في القلب، فيستحيل ويمتنع امتناعاً تاماً أن يكون القلب فيه شيئ من المحبة والخشية بما يسمى بعمل القلب، ولا تظهر آثار ذلك على الجوارح فهذه عقيدة السلف ونقل الإجماع عليها غير واحد منهم كما سيأتي ذلك إن شاء الله.
ولكن المرجئة لا يفتئون يحتجون بالمتشابه من النصوص ولهم شبه يجعلونها أصلاً عندهم في أن الإنسان قد يترك جنس العمل ويلقى الله تعالى مسلماً مؤمناً موحداً، وهذا كلام ضلالة متهافت، يدل على أنهم ما فهموا حقيقة الكفر الذي وقع فيه الأولون في عصور الأنبياء وفي عصر نبينا -عليهم الصلاة والسلام-، وبيان ذلك أن قولهم هذا يستلزم أن الإنسان ينجو بمجرد التصديق فإنه يمتنع كما ذكرنا آنفاً أن يكون في القلب عمل ولا يظهر أثره على الجوارح، وذلك أن القول في اللسان دليل قول القلب وهو التصديق، فلو قلنا لإنسان: ما الدليل على أنك مصدق بقلبك، لقال لساني، ثم إن عمل القلب لا بد أن يكون له أصل ظاهر -أيضاً-، ولذلك فإننا نكرر السؤال السابق بطريقة أخرى فنقول: الحب والخشية من أعمال القلوب