مكرهاً، بل إن سبب نزول آية الإكراه على الكفر وهي قوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) ، قد كان سبب نزولها في الإكراه الملجئ، وهي حادثة عمار بن ياسر -رضي الله عنه-، حيث عذبه المشركون، فأخذوه فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ما وراؤك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تُرِكْتُ حتى نلتُ منك، وذكرتُ آلهتهم بخير، فقال له: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فإن عادوا فعد.
وهذا الحديث قد رواه ابن جرير الطبري في (تفسيره) ، وابن سعد في (الطبقات) والبيهقي في (السنن الكبرى) ، والحاكم في (المستدرك) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في (الفتح) بمجموع طرقه.
وظاهر هذا الحديث أن الضرب كان على عمار شديداً جداً، بحيث أنه أفضى به إلى الكفر الظاهر، وهذا الذي يسمونه أهل العلم بالإكراه الملجئ، والناظر في سبب نزول الآية مع الأحاديث التي تأمر بالصبر عن الكفر حال الإكراه، كحديث المناشير السابق ذكره، وغيره من الأحاديث، كحديث أنس في الصحيحين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، وفيه: (وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) ، فالناظر في هذه الأدلة يجد أن الإكراه على الكفر لا بد أن يكون من نوع الإكراه الملجئ، وهو الذي يسمونه بالإكراه التام، وهذا مذهب الجماهير من أهل العلم كالأحناف والمالكية والحنابلة، خلافاً للشافعي فإنه ذهب إلى أن الإكراه ولو كان على الكفر فإنه يجوز فيه الإكراه الناقص، كما نقل ذلك عنه الإمام النووي في (المجموع) ، والحق مع الجمهور كما هو الظاهر، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ما نصه: (تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره، فليس المعتبر في كلمات الكفر، كالإكراه المعتبر بالهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد، ولا يكون الكلام إكراهاً، وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه، فلها أن ترجع على أنها لا تهب إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها، فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراهاً،