فهرس الكتاب
الصفحة 105 من 111

ذلك كل الأفعال الكفرية وغيرها من المعاصي مثل شرب الخمر وأكل الربا، وإلى ذلك ذهب مالك وطائفة من أهل العراق، وهذا مروي عن عمر بن الخطاب، ومكحول، وهو قول جماهير أهل العلم، وهو الذي استقر عليه -أيضاً- كثير من المحققين، حتى أن هذا الخلاف يكاد يعد من الخلاف الشاذ.

فالراجح في هذه المسألة هو أن الأفعال يدخلها الإكراه، لا سيما الأفعال الكفرية، ويدل عليه قول الله تعالى:

(مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ .. ) الآية، وهي عامة في جميع صنوف الكفر، ولا يلزم أنها نزلت في سبب مخصوص، أن تكون خاصة في ذلك السبب، وذلك أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ولذلك تعد هذه الآية كالنص في محل النزاع، وذلك أنها من صيغ العموم، فإن لفظة الكفر في الآية نكرة في سياق الإثبات وهذا دليل العموم، فيدخل في ذلك الأقوال والأفعال، وإن مما ينبغي التنبيه عليه أن هناك فعلاً لا يتناوله الإكراه ألا وهو القتل، فهذا مما أجمع أهل العلم على تحريمه، وأنه لا يدخله الإكراه البتة، وذلك أن حياة القاتل ليست بأولى من حياة المقتول، وأما بعض الأفعال مثل الزنا والخمر، فقد اختلفوا فيها بين محرم ومُجوز، والأظهر الجواز.

المسألة الثالثة: وهي فيما يتعلق بالمكره عليه هل يعتبر فيه الوعيد بمفرده، أم لا بد أن يقترن بنوع من العذاب؟

هذه المسألة يمكن صياغتها أو توضيحها بضرب مثال عليها، فيقال: لو أتي برجل مسلم، كما هو الحاصل بإخواننا الأسرى في كوبا، في السجن الذي أعدوه للمسلمين في غوانتناموا، فإنه قد ذُكر لنا عن إخواننا هناك، أن أعداء الله تعالى يكرهونهم على أمور محرمة مثل التعري، وممارسة الفاحشة وما أشبه ذلك، فيقال لهم: إما أن تفعل هذا يعني (الشيء الحرام) أو أننا نضربك ضرباً شديداً، فمثل هذا المسلم الأسير، هل يجوز أن يفعل مثل هذه الأفعال الشنيعة بمجرد التهديد، أم لا بد من وقوع العذاب عليه حتى يقوم بمثل هذه الأفعال؟ هذا معنى السؤال المطروح في المثبت أعلاه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام