(فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقاً بصاحبه وغضاً له، وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره .. ) ا. هـ
قال مقيده -عفا الله عنه-: هذا كلام أهل العلم في الإكراه بشكل عام، واختلفوا في بعض فروعه بحيث لم يفرقوا في بعضها بين صاحب مروءة وغيره كما سيأتي لاحقاً -إن شاء الله-
المسألة الثانية: في محل الإكراه
اعلم أن هذه المسألة قد تنازع في بعض تفاريعها العلماء، وقبل حكاية النزاع لا بد من بيان المتفق عليه والمختلف فيه، فاعلم أن لهذه المسألة طرفين ووسطاً: فطرف اتفقوا على أنه لا يدخله الإكراه: وذلك كأفعال القلوب وأقوالها فهي ليست محلاً للإكراه لقوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) ، فعُلِمَ من هذه الآية أن القلب لا سبيل إلى الوصول إليه في الإكراه، وإنما يصل الإكراه إلى ما كان محلاً له، كالأقوال والأفعال الظاهرة التي تسمي أفعال الجوارح.
والطرف الثاني: أنهم اتفقوا على أنه محل للإكراه وهذا كالأقوال، فإنها مما اتفقوا على أن رخصة الإكراه تدخلها، وذلك مثل شتم الله ورسوله، أو تثليث الرب سبحانه وتعالى، وما أشبه ذلك، وهذا لأن سبب نزول آية الإعذار بالإكراه إنما كانت في ذلك أعني في الأقوال الكفرية الظاهرة.
والطرف الثالث: وهو الذي اختلف فيه أهل العلم، وهذا يشمل الأفعال من أعمال الجوارح، حيث ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن رخصة الإكراه لا تشمل أفعال الجوارح، وذلك مثل السجود لغير الله، أو رمي المصحف في الحش، أو الطواف بالقبر، ومثل الزنا، وأكل الربا، وشرب الخمر، وأكل مال مسلم بغير حق إلى غير ذلك من الأفعال، وهذا قول جماعة من السلف كالحسن البصري، والأوزاعي، وسحنون المالكي، (وهي رواية لأحمد) . وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الإكراه يشمل الجميع حتى أعمال الجوارح، فيشمل الأقوال والأفعال، فيدخل في