المسألة الأولى: في نوع الإكراه وماهيته، ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الإكراه ينقسم إلى نوعين:
1 -الإكراه التام: وهو الذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار، وهذا كالذي يهدد بالقتل، أو بضرب شديد يفضي إلى إتلاف بعض جوارحه، أو كسجنه مدة طويلة، أو التهديد بإتلاف جميع ماله، فهذا وأمثاله من التهديد يسمى عند العلماء: بالإكراه الملجئ، ويسمونه بالإكراه التام.
2 -الإكراه الناقص: وهو أن يهدد الإنسان بعذاب دون الأول، وذلك كالضرب اليسير، أو إتلاف بعض ماله، أو سجنه يوماً أو يومين، فهذا وأمثاله من العذاب يسمى ناقصاً، وذلك أن الإنسان قد فسد رضاه ولم يفسد إختياره بالكلية كما هو حاصل بالإكراه التام، وذلك أن الإنسان يقوى على أن يطيق العذاب اليسير في مقابل عدم الإقبال على الأمر المكره عليه، فلما فسد رضاه دون اختياره أسموه: إكراهاً ناقصاً، وأطلقوا عليه أيضاً إكراهاً غير ملجىء، بخلاف الأول فإنه لما أفضى الإكراه فيه إلى إتلاف النفس أو العضو، انتفى معه الرضى مع الاختيار، ولذلك أطلقوا عليه بالإكراه التام.
وقد اختلف العلماء في مسألة تهديد المكره في تعذيب غيره، ممن يكون له مكانة في نفسه، وذلك كالأب والأم والولد والزوجة والوالد والأخت، وما أشبه ذلك، بحيث يقوموا بحبسه أو تعذيبه أو الزنا فيه فهل يعد مثل هذا إكراها؟؟
فالصحيح أن هذا شيء نسبي إضافي، يختلف من واحد إلى آخر، فإن من الناس من لا تطيق نفسه أن يرى مثل هؤلاء يصيبهم شيء من الضرر وهو في دنيا الأحياء، بل كثير من الناس يفدي أهله ومحارمه بنفسه وماله كله، والموت يكون أهون عليه من أن يرى والديه أو ولده يضرب أو يهان أمامه، فهذا وأمثاله يكون في حقه الإكراه تاماً ملجئاً ولذلك يقول الإمام ابن قدامة في"المغني" (7/ 120) [1] ما نصه:
(1) بتحقيق د. عبد الله التركي ود. الحلو.