ولعل صنيع القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه متشابه القرآن، يمثل موقف المعتزلة من علاقة مسائل العقيدة على وجه العموم والصفات على وجه الخصوص بالمتشابه، فإنه جعل المتشابه هو الذي (يحتاج إلى زيادة فكر من حيث كان المراد به خلاف ظاهره) (1) [[متشابه القرآن للهمداني 1/ 32] ]، ويعني بالفكر النظر في الأدلة العقلية، كما صرح بأن المتشابه (متى امتنع حمله على الظاهر، فالواجب النظر فيما يجب أن يحمل عليه، والنظر هو أن تطلب القرآن ... فان كان السامع قد مهدت له الأصول وعرف العقليات وما يجوز فيها وما لا يجوز، وعلم ما يحسن التكليف فيه وما لا يحسن وعلم من جمل اللغة ما يعرف به أقسام المجاز ومفارقتها للحقائق، حمله على ما أريد به في الحال) (2) [[المصدر السابق 1/ 35] ]
ولما ذكر ما يتميز به المحكم، ذكر أنه به يمكن أن يبين للمخالف في التوحيد، أنه مخالف للقرآن، وأنه قد تمسك بالمتشابه من القرآن وعدل عن محكمه (1) ، [[المصدر السابق 1/ 9] ] ومعلوم أنهم ـ أي المعتزلة ـ يعنون بالتوحيد نفي الصفات.
ولهذا فإنه يجعل في كتابه هذا مثل قوله تعالى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء} البقرة (255) ، وقوله تعالى {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} هود (14) ، متشابهاً ويصرح أن المراد خلاف الظاهر (2) [[المصدر السابق 1/ 132، 1/ 375] ].
وما حمله على هذا إلاّ قيام ما يطلق عليه الدليل العقلي عنده على امتناع أن يكون لله صفة العلم، كما سيأتي لاحقا عند ذكر أدلتهم على نفي الصفات.
وهذا التصرف منه مع ما تقدم من النقل عنه، يدل على أنه يجعل كل ما يخالف اعتقاده الذي أسسه على محض العقل متشابهاً يراد به خلاف الظاهر، وقد ذكر في كتابه هذا أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فهذا يدل على أنه يجعل ما يخالف قوله متشابها ليتمكن من صرفه عن ظاهره بالتأويل الذي يرى إمكان معرفته، فيبدو أن هذه هي علاقة المتشابه بآيات الصفات عند المعتزلة.