الصفحة 4 من 67

ذكر طرف من مناقبه وشجاعته:

كان صلاح الدين رضي الله عنه دَيِّنًا ورعًا زاهدًا كثير العبادة يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة في المسجد، حتى في أيام مرضه كان يتجلد ويحضرها كما ذكره ابن شداد، وكان مع ذلك مواظبًا على السنن والرواتب وقيام الليل، وكان إذا أدركته الصلاة وهو سائر نزل وصلى، وهو مع ذلك رحمه كان ينتقي إمامه ويتخيره عالمًا بالقرآن متقنًا ضابطًا لحفظه، وكان رحمه الله خاشع القلب غزير الدمعة رفيقًا حليمًا شفوقًا ناصحًا محبًا للعلم وطلبه، شديد الرغبة في سماع الحديث، فكان إذا سمع بشيخ محدِّثٍ ذي رواية عالية وكان ممن يحضر مجالس السلاطين استدعاه وأخذ عنه فسمع وأسمع أولاده ومماليكه، وإن كان هذا الشيخ ممن لا يقصدون أبواب السلاطين سار إليه بنفسه فسمع منه وقرأ وأخذ عنه، وكان رضي الله عنه عادلاً رؤوفًا رحيمًا ناصرًا للضعيف المظلوم، وقد حدث ابن شداد مرة فقال:"لقد رأيته وقد استغاث به إنسان من أهل دمشق يقال له ابن زهير على تقي الدين ابن أخيه فأنفذ إليه ليحضر مجلس الحكم وكان تقي الدين هذا مقربًا إليه محبوبًا لديه عظيمًا في عينه ولكنه لم يحابه في مثل هذا الأمر بل استدعاه حرصًا على إقامة العدل".

أما الشجاعة والصبر فقد بلغ السلطان في ذلك شأوًا كبيرًا، فكان رحمه الله من عظماء الشجعان، قوي النفس شديد البأس عظيم الثبات، لا يهوله أمر العدو، ومن أشهر أعماله الحربية وأعظمها تحرير بيت المقدس وفتح القدس، حيث نزل عليها في 15 رجب 583 هجري، وتسلمها يوم الجمعة 27 رجب لمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج وأقيمت الجمعة، فعلت الأصوات بالتكبير والتهليل، وكان فتحًا وتحريرًا عظيمًا مهيبًا.

من وصاياه:

وقد ورد أنه أوصى أحد أولاده قائلاً:"أوصيك بتقوى الله، فهي رأس كل خير، وآمرك بما أمر الله به، فإنه سبب نجاتك، واحذر من الدماء والدخول فيها والتقلد بها، فإن الدم لا ينام، وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالها، ولا تحقد على أحد فإن الموت لا يُبقي على أحد".

وكان رحمه الله إذا سمع أن العدو دهم بلاد المسلمين خَرَّ إلى الأرض ساجدًا داعيًا إلى الله بهذا الدعاء:"إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك ولم يبق إلا الإخلاد إليك والاعتصام بحبلك والاعتماد على فضلك أنت حسبي ونعم الوكيل".

قال القاضي ابن شداد:"رأيته ساجدًا والدموع تتقاطر على لحيته ثم على سجادته ولا أسمع ما يقول، ولم ينقضِ ذلك اليوم إلا وتأتيه أخبار الانتصار على الأعداء".

وكان يتخير وقت صلاة الجمعة للهجوم على أعدائه تبركًا بدعاء الخطباء له بالنصر على المنابر.

آثاره:

بنى رحمه الله المساجد والمدارس وعمَّر قلعة الجبل في القاهرة وسوَّرها، وبنى قبة الإمام الشافعي، وكان رحمه الله شافعيَّ المذهب، أشعريَّ الاعتقاد.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام