فهرس الكتاب
الصفحة 180 من 284

كذا أو يستحيل أو يجب إلى غير ذلك من الأفكار حتى أن كل صانع يحدث مع نفسه أولا بالغرض الذي توجهت إليه صنعته ثم تنطق نفسه في حال الفعل محادثة مع الآلات والأدوات والمواد والعناصر ومن أنكر أمثال هذه المعاني فقد جحد الضرورة وباهت العقل وأنكر الأوائل التي في ذهن الإنسان وسبيله سبيل السوفسطائية كيف وإنكاره ذلك مما لم يدر في قلبه ولا جال في ذهنه ثم لم يعبر عنه بالإنكار ولا أشار إليه بالإقرار فوجد أن المعنى معلوم بالضرورة، وإنما الشك في أنه هو العلم بنفسه أو الإرادة والتقدير والتفكير والتصوير والتدبير والتمييز بينه وبين العلم هين إذ العلم تبين محض تابع للمعلوم على ما هو به وليس فيه إخبار ولا اقتضاء وطلب ولا استفهام ولا دعاء ولا نداء وهي أقسام معلومة وقضايا معقولة وراء التبيين والتمييز بينه وبين الإرادة أسهل وأهون فإن الإرادة قصد إلى تخصيص وأما التقدير والتفكير والتدبير فكل ذلك عبارات عن حديث النفس، وهو الذي يعني به من النطق النفساني ومن العجب أن الإنسان يجوز أن يخلو ذهنه عن كل معنى ولا يجد نفسه قط خاليا عن حديث النفس حتى في النوم فإنه في الحقيقة يرى في منامه أشياء وتحدث نفسه بالأشياء ولربما يطاوعه لسانه وهو في منامه حتى يتكلم وينطق متابعة لنفسه فيما يحدث وينطق.

ومن مذاهب المعتزلة: أن المفكر قبل ورود السمع يجد من نفسه خاطرين أحدهما يدعوه إلى معرفة الصانع وشكر المنعم وسلوك سبيل المحاسن والخيرات والثاني يدعوه إلى خلاف ذلك ثم يختار ما فيه النجاة ويجتنب عما فيه الهلاك وذلك الخاطران الداعيان المحدثان المخبران عن كلام النفس وحديثها فكيف يسوغ لهم إنكار ذلك وأيضا فإن الإنسان في مراتب نظره واستدلاله يضع قولا ويرفع قولا ويقسم كليا ويبطل أحد القسمين فيتعين له الثاني فتقسيمه هو بعينه حديث النفس وتعيينه أحد القسمين هو بعينه حكم العقل وربما أخذ القلم وكتب مجلدة من حديث فكره وشحن ديوانا من حديث نفسه ولسانه ساكت لا ينطق.

وصدق من قال:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا «1»

(1) انظر: الصواعق المرسلة لابن قيم (1/ 344، 345) ، وشرح قصيدة ابن قيم لابن عيسى (ص 270) ، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 198) ، وغاية المرام للآمدي (ص 97) ، والفصل في الملل والنحل لابن حزم (3/ 122) ، وأصول الدين للأسفراييني (ص 102) ، والغنية في أصول الدين لأبي سعيد النيسابوري (ص 102) ، والتمهيد للباقلاني (ص 284) ، ولمع الأدلة للجويني (ص 104) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام