فهرس الكتاب
الصفحة 171 من 284

يتصور التقدير في حق الباري والتقدير ترديد الفكر وتصريف الخواطر وذلك من عمل الخيال والوهم أم يتعلق بالوجود حقيقة والوجود محصور متناه ونحن نعتقد أن معلوماته ومقدوراته لا تتناهى وإنما يتصور ذلك فيما لم يوجد ويمكن أن يوجد أم تقرر أن العلم صفة صالحة لدرك كل ما يعرض عليه من غير قصور والقدرة صالحة لإيجاد كل ما يصح وجوده من غير تقاصر ثم ما يصح أن يعلم ويجوز أن يوجد لا يتناهى فعلى هذا المعنى نقول المعلومات والمقدورات لا تتناهى والمتعلق من حيث المتعلق راجع إلى صلاحية الصفة للكل ومن حيث المتعلق راجع إلى صحة المعلوم والمقدور وكذلك قولنا في السمع والبصر وكونه سميعا بصيرا بل الجمع بين المسألتين هاهنا أظهر فإن السمع لا يتعلق بالمعدوم وكذلك البصر فلا يكون المعدوم مسموعا ومبصرا بل إنما يصير مدركا بهما حيث يصح الإدراك وهو حال الوجود فقط لا قبله تحقيقا كان أو تقديرا كذلك الأمر الأزلي يتعلق بالمأمور به حتى يصح التعلق وهو حال الوجود المتهيأ لقبوله من كونه حيا عاقلا بالغا متمكنا من الفعل كسائر الصفات على السواء فليس يختص السؤال بمسألة الكلام ووجه الحال ما قد سبق التقرير به.

وقولهم: إن كلاما لا تحقق له أقسام الكلام غير معقول.

قلنا: وما أقسام الكلام فإن المتكلمين حصروها في ستة وسائر الناس زادوا أقساما:

مثل النداء والدعاء، وزادوا في كل قسم من الأمر والنهي أقساما مثل أمر الندب وأمر الإيجاب ونهي التنزيه ونهي التحريم، وفي كل قسم من الخبر والاستخبار أقساما مثل الخبر عن الماضي والمستقبل والمواجهة والمغايبة وغير ذلك، ومن تصدى ليردها إلى ستة فقد قضى بتداخل أقسام منها في أقسام ولغيره أن يتصدى لردها إلى قسمين الخبر والأمر أما الاستخبار فلا يتصور في حقه تعالى على موجب حقيقة الاستفهام بل حيث ورد فمعناه التقرير والإخبار كقوله تعالى: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: 172] ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ [القصص: 71] أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل: 60] ، ومعنى الكل راجع إلى تقرير الخطاب للمخاطب أن الأمر لا يتصور إلا كذلك، وأما الوعد والوعيد فظاهر أنهما خبران يتعلق أحدهما بثواب فسمي وعدا، وتعلق الثاني بعقاب فسمي وعيدا كما أمكن أن يرد النداء إلى الخبر يا زيد يا عمرو أي أدعو زيدا.

وأما القسم الثاني: وهو الأمر فهو والنهي لا يجتمعان لكن كلام اللّه تعالى إذا تعلق بمتعلق خاص على صيغة الأمر، ولم يتصل بتركه زجرا كان ندبا، وإن اتصل به زجرا سمي ذلك إيجابا وكذلك النهي إذا لم يرد على فعله وعيد سمي تكريها وإن ورد سمي تحريما ثم هما يشتركان في كونهما أمرا ونهيا وإن رد الأمر والنهي إلى معنى واحد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام