فهرس الكتاب
الصفحة 170 من 284

العبارات إن طابقت المعاني خبرا لمخبر وأمرا لمأمور ونهيا عن منهي فقد تعددت المعاني تعدد العبارات وإن لم تطابق فليست هي تعبيرات عنها وإنما هي عبارات لا معنى لها وذلك كلام المجانين وإما أستر وأحكم إلى تمثل الروحاني بالجسماني وتشكل الملك بالبشر وظهور المعنى بالعبارات فذلك في أسماعنا شبه طامات وكلمات فارغة فما التمثل والتشكل وكيف الظهور والتبين حققوا لنا ذلك إن كانت العبارة مشتملة على حقيقة وإلا فالمعلومات لا تحتمل أمثال هذه المجازفات والذي عندنا أن جبريل شخص لطيف يتكاثف فيتراءى للبصر كالهوى اللطيف الذي لا يراء فيتكاثف فيتراءى سحابا أو نقول بإعدام وإيجاد لا يتمثل ويتشخص وبالجملة جوهر واحد لا يصير جواهر إلا بانضمام جواهر إليه ونحن لا نعقل من الجواهر إلا المتحيز والمتحيزان لا يتداخلان فلا معنى لما تمسكتم به.

قالت الأشعرية: ذهب شيخنا الكلابي عبد اللّه بن سعيد إلى أن كلام الباري في الأزل لا يتصف بكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا إلا عند وجود المخاطبين واستجماعهم شرائط التكليف فإذا أبدع اللّه العباد وأفهمهم كلامه على قضية أمر، وموجب زجر أو مقتضى خبر اتصف عند ذلك بهذه الأحكام فهي عنده من صفات الأفعال بمثابة اتصاف الباري تعالى فيما لا يزال بكونه خالقا ورازقا فهو في نفسه كلام لنفسه أمر ونهي وخبر وخطاب وتكليم لا لنفسه بل بالنسبة إلى المخاطب وحال تعلقه وإنما يقول كلامه في الأزل يتصف بكونه خبرا لأنا لو لم نصفه بذلك خرج الكلام عن أقسامه ولأن الخبر لا يستدعي مخاطبا، فإن الرب تعالى مخبر لم يزل عن ذاته وصفاته وعما سيكون من أفعاله وعما سيكلف عباده بالأوامر والنواهي.

وعند أبي الحسن الأشعري كلام الباري تعالى لم يزل متصفا بكونه أمرا ونهيا وخبرا، والمعدوم على أصله مأمور بالأمر الأزلي على تقدير الوجود ثم قال في دفع السؤال إذا لم يبعد أن يكون المأمور به معدوما لم يبعد أن يكون المأمور معدوما، وعضد ذلك بأنا في وقتنا مأمورون بأمر اللّه تعالى الذي توجه على المأمورين في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم فإذا لم يبعد أن يتأخر وجود المأمور عن الأمر بسنة لم يبعد أن يتأخر عنه بأكثر ولم يزل «1» .

والحق أن هذا الإشكال لا يختص بمسألة الأمر بل هو جار في كل صفة أزلية تتعلق بمتعلقها أزلا أنها كيف تتعلق بالمعدوم أ ليس اللّه تعالى عالما قادرا والعالم معدوم وكيف يتعلق العلم والقدرة بنفي محض وعدم صرف فعلى تقدير الوجود فكيف

(1) انظر: الغنية في أصول الدين النيسابوري (ص 106) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام