حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، قَالَا : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ ، قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْهَدْيَ ، وَأَشْعَرَهُ ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ ، فَقَالَ : إِنَّ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِشَ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : الْأَحَابِيشَ , وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ ، أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ ، فَإِنْ قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ ، وَإِنْ نَجَوْا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُمْ قَاتَلْنَاهُ ؟ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ , إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ ، وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَرُوحُوا إِذًا قَالَ مَعْمَرٌ : قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ . قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ : فَرَاحُوا يَعْنِي حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ ، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ ، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا ، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : حَلْ حَلْ ، فَأَلَحَّتْ ، فَقَالُوا : خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ ، خَلَأَتْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ ، وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ، ثُمَّ زَجَرَهَا , فَوَثَبَتْ بِهِ , قَالَ : فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ ، إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ ، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ ، فَشَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْعَطَشَ ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَكَانَ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ ، فَقَالَ : إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ أَعْدَادَ مِيَاهَ الْحُدَيْبِيَةِ ، مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ ، فَإِنْ شَاءُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً ، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا ، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا ، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ ، فَقَالَ بُدَيْلٌ : سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا ، فَقَالَ : إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا ، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ : لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ : ذَوُوا الرَّأْيِ مِنْهُمْ : هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ . يَقُولُ : قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ : أَيْ قَوْمِ , أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَهَلْ تَتَّهِمُونِي ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيْكُمْ ، جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَإِنْ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا ، وَدَعُونِي آتِهِ ، قَالُوا : ائْتِهِ ، فَأَتَاهُ . قَالَ : فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ : أَيْ مُحَمَّدُ , أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ ، وَإِنِ الْأُخْرَى ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ ، أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ ، فَقَالَ : مَنْ ذَا ؟ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ : أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِ بِهِ لَأَجَبْتُكَ . قَالَ : وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَمَعَهُ السَّيْفُ ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ضَرَبَ بِيَدِهِ بِنَصْلِ السَّيْفِ ، وَقَالَ : أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَرَقَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ ، وَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ . قَالَ : أَيْ غُدَرُ ، أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَغَدَرَهُمْ ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ، ثُمَّ جَاءَ , فَأَسْلَمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ صَحَابَةَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِعَيْنِهِ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، فَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ . قَالَ : فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : أَيْ قَوْمِ ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ ، وَكِسْرَى ، وَالنَّجَاشِيِّ ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلَكًا يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا ، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ , فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ : دَعُونِي آتِهِ ، قَالُوا : ائْتِهِ ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هَذَا فُلَانٌ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ ، فَابْعَثُوهَا لَهُ ، فَبُعِثَتْ لَهُ , وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ . قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَصْدُرُوا عَنِ الْبَيْتِ قَالَ : فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ . قَالَ : رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ , فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ : دَعُونِي آتِهِ ، قَالُوا : ائْتِهِ ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ مَعْمَرٌ : فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : قَدْ سَهَّلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ . قَالَ مَعْمَرٌ : قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ : فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالَ : هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا ، فَدُعِيَ الْكَاتِبُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَقَالَ سُهَيْلٌ : أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هِيَ ، وَلَكِنِ اكْتُبُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ سُهَيْلٌ : وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُهُ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي ، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ : لَا تَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ ، إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً ، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ، فَكَتَبَ ، فَقَالَ سُهَيْلٌ : وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، كَيْفَ يَرُدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ ، حَتَّى رَمَى نَفْسَهُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ سُهَيْلٌ : هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا نُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ إِذًا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَأَجِزْهُ لِي . قَالَ : مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ ، قَالَ : بَلَى فَافْعَلْ ، قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ، فَقَالَ مِكْرَزٌ : بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ ، فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ : أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ , أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا ، أَلَا تَرَوْنَ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : أَلَسْتَ عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ، قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ ، وَهُوَ نَاصِرِي ، قُلْتُ : أَوَلَيْسَ كُنْتَ وَعَدْتَنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفَ بِهِ ، قَالَ : بَلَى ، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا ؟ ، قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : أَفَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ؟ قَالَ : أَيُّهَا الرَّجُلُ ، إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ ، فَهُوَ نَاصِرُهُ ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ ، قُلْتُ : أَوَ لَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ ؟ ، قَالَ : فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : قَالَ عُمَرُ : فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا . قَالَ : فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : قُومُوا فَانْحَرُوا ، ثُمَّ احْلِقُوا ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ اخْرُجْ , ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ ، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ ، فَقَامَ فَخَرَجَ ، وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا ، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ، ثُمَّ جَاءَ النِّسْوَةُ مُؤْمِنَاتٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٌ }} حَتَّى بَلَغَ : {{ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }} الْآيَةُ ، فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ ابْنُ أُمَيَّةَ . ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ ، فَقَالُوا : الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا ، فَدَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الرَّجُلَيْنِ ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ يَا فُلَانُ جَيِّدًا ، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ ، فَقَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ : أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ ، وَفَرَّ الْآخَرُ ، حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ رَآهُ : لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي ، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ ، وَقَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ ، قَالَ : وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ ، إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ ، حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بَعِيرٍ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ ، إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا ، فَقَتَلُوهُمْ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ ، إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ }} ، حَتَّى بَلَغَ : {{ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ }} ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو زُمَيْلٍ ، سِمَاكُ الْحَنَفِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ، يَقُولُ : كَاتِبُ الْكِتَابِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعَانِي أَحْرُفٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ : الْغَمِيمِ ، قَالَ : هُوَ مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَضَجَنَانَ ، وَقَوْلُهُ : قَتَرَةُ الْجَيْشِ ، الْقَتَرَةُ هُوَ الْغُبَارُ ، يُرِيدُ غَبَرَةَ الْجَيْشِ ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ : {{ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ }} ، الْآيَةَ ، قَالَ : الْقَتَرُ الْغُبَارُ . وَقَوْلُهُ : فَأَلَحَّتْ ، يُرِيدُ لَزِمَتْ مَكَانَهَا ، أَوْ لَمْ تَبْرَحْ ، يُقَالُ : أَلَحَّ الْجَمَلُ ، وَخَلَدَتِ النَّاقَةُ ، وَحَرَنَ الْفَرَسُ ، وَالثَّمَدُ : الْمَاءُ الْقَلِيلُ ، وَجَمْعُهُ ثِمَادٌ ، وَيُقَالُ : مَاءٌ مَثْمُودٌ ، إِذَا كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى يَفْنَى ، وَرَجُلٌ مَثْمُودٌ ، وَقَدْ ثَمِدَتْهُ النِّسَاءُ ، إِذَا نَزَفَتْ مَاءَهُ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ . وَقَوْلُهُ : يَتَبَرَّضُ النَّاسُ تَبَرُّضًا ، أَيْ يَأْخُذُونَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا ، يُقَالُ : بَرَضْتُ لَهُ بَرْضًا إِذَا أَعْطَيْتُهُ شَيْئًا يَسِيرًا . وَقَوْلُهُ : مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ أَيْ يَرْتَفِعُ مَاؤُهُ . وَقَوْلُهُ : إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَكَانَ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ , قَوْلُهُ : عَيْبَةُ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ : يَعْنِي مَوْضِعَ سِرِّهِ ، وَمَنْ يُسْتَنْصَحُ وَيُؤُتَمَنُ عَلَى أَمْرِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي . وَقَوْلُهُ : مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ ، يُرِيدُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ ، وَالْعُوذُ جَمْعُ عَائِذٍ . وَقَوْلُهُ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي ، أَوْ يُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمَرَهُ ، وَالسَّالِفَتَانِ نَاحِيَتَا مُقَدَّمِ الْعُنُقِ مِنْ بَدَنِ مُعَلَّقِ الْقُرْطِ إِلَى التَّرْقُوَةِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ حَتَّى أَنْفُذَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَأُبَلِّغَهُ ، أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ رَأْسِي وَجِسْمِي . وَقَوْلُهُ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا ، وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ ، خَلِقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ ، قَالَ : هُمُ الْأَخْلَاطُ مِنَ النَّاسِ ، وَكَذَلِكَ الْأَوْبَاشُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ تَضَمَّنَ خَبَرُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَدَدَ أَبْوَابٍ مِنْ كِتَابِ الْمَنَاسِكِ ، وَالْجِهَادِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ ، وَالْآدَابِ أَحْبَبْتُ إِثْبَاتَ مَا حَضَرَنِي مِنْ ذَلِكَ بِعَقِبِ حَدِيثِهِمَا ، فَمِنْ ذَلِكَ . أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتًا لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ ، وَ سَنَّ الْمَوَاقِيتَ بَعْدَ ذَلِكَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ : يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ . وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ الْأَفْضَلَ وَالْأَعْلَى الْإِحْرَامُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَنْزِلِهِ ، وَأَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلُ مِنْ إِحْرَامِ الرَّجُلِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ قَبْلِ الْمَوَاقِيتِ ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ مَحْظُورٌ , وَقَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَاتِّبَاعُ السُّنَنِ أَفْضَلُ ، وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ : {{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ }} الْآيَةُ ، أَنْ يُحْرِمَ الْإِنْسَانُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ مَعْنَى الْآيَةِ لَكَانَ أَشَدُّ النَّاسِ لَهُ اسْتِعْمَالًا مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ , وَفُرِضَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ ، فَفِي إِحْرَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَنْزِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ لَيْسَ كَمَا تَأَوَّلَهُ أُولَئِكَ . وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ : يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ . الْحَدِيثُ ، يَأْمُرُهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ مَوَاقِيتِهِمْ ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ مَنْ قَالَ : تَمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْمَوَاقِيتِ ، وَبَيْنَ مَكَّةَ ، اسْتِدْلَالًا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَهُنَّ فَمَهِلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ ، وَكَذَلِكَ فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلَا أَحْسَبُهُ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَهُوَ كَانَ كَاتِبَ الْكِتَابِ ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ خَبَرُهُ الَّذِي :
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّيَالِسِيُّ ، وَأَبُو ، نُعَيْمٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : عَنْ عَلِيٍّ ، وَقَالَ ، يَعْلَى : قَالَ عَلِيٌّ : إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِشَيْءٍ فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْدَى ، وَالَّذِي هُوَ أَنْقَى ، وَالَّذِي هُوَ أَتْقَى ، فَإِذَا كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْمُرُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ أَنْ يُظَنَّ بِأَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي هُوَ أَهْدَى ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَسُنُّهُ لِأُمَّتِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَخَالَفَهُ وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّهُ سَنَّ إِشْعَارَ الْبُدْنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِأَعْوَامٍ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَقَدْ خَالَفَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِشْعَارَ مُثْلَةٌ ، مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ ، وَنَهْيُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ إِنَّمَا كَانَ عَامَ خَيْبَرَ ، وَإِشْعَارُ الْبُدْنِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي سَنَةِ عَشْرٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزَاهُ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ . وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُشْعِرَ الْمَرْءُ بَدَنَتِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ، فَأَعْلَمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَغْفَلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ مَنْ قَلَّدَ فَقَدْ أَحْرَمَ ، لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ ، وَأَحْرَمَ ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ كَانَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ ، وَالْإِشْعَارِ ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَدْ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّقْلِيدِ : أَحْرَمَ بَعْدَ ذِكْرِ التَّقْلِيدِ ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى إِحْرَامٍ قَبْلَهُ إِلَّا حَيْثُ دَلَّتِ السُّنَّةُ مِنْ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ . وَمِنْ ذَلِكَ السُّنَّةُ فِي تَقْلِيدِ الْهَدْيِ ، وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فِي الْعَامِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ ، ذَكَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْءٌ كَانَ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ ، حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُونُ بِالتَّقْلِيدِ مُحْرِمًا . وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْأَئِمَّةِ الطَّلَائِعَ وَالْعُيُونَ بَيْنَ يَدَيِ الْجُيُوشِ ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ ، يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ ، قَالَ : وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ ، أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ ، مَعَ مَا يَجْمَعُ , فَاعِلٌ ذَلِكَ مِنَ الْحَزْمِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ عُيُونِ الْعَدُوِّ وَبَغَتَاتِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي بَابِ الِاسْتِعْدَادِ وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ , وَرُبَّمَا ظَفِرَتِ الطَّلِيعَةُ بِ الْعِلْجِ يَدُلُّ عَلَى غَفَلَاتِ الْعَدُوِّ وَعَوَرَاتِهِ ، وَيُخْبِرُ عَنْ قُرْبِ الْعَدُوِّ وَبُعْدِهِ ، وَمَوْضِعِ نُزُولِهِ ، وَمَا يُدَبِّرُ مِنْ كَيَدِ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَيَحْتَرِزُ الْإِمَامُ مِنْ مَكَائِدِهِ وَيَغْتَنِمُ غَفَلَاتِهِ ، فَرُبَّمَا ظَفِرَ بِالْحِيلَةِ ، وَرُبَّمَا نَجَا بِالتَّيَقُّظِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَأَنَّ خَبَرَهُ حُجَّةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا ، إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ ثِقَةٍ ، لِأَنَّ طَلِيعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِيَبْعَثَ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنِ الْعَدُوِّ بِخَبَرٍ ، إِلَّا مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْنَاهُ ، فَلَا مَعْنَى لِلْبَعْثَةِ ، وَلَا فَائِدَةَ ، وَالنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ . وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي مَسِيرِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ طَلِيعَةً لِجَيشٍ ، لِأَنَّ الْخُزَاعِيَّ قَدْ مَضَى وَحْدَهُ سَائِرًا ، بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوِحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ أَبَدًا فِي غَيْرِ بَابِ الضَّرُورَةِ ، وَالْحَرْبِ ، لَا لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لَهُمَا السَّيْرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ : إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا ، وَأَقِيمَا ، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ , فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَدْ عَارَضَهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ رُجِعَتِ الْأُمُورُ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ ، حَتَّى نَعْلَمَ حَظْرًا ، يَعْنِي خَبَرًا يُعَارِضُهُ . وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي هُجُومِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ الْعَدَدِ مِنَ الْعَدُوِّ ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعَثَ عَيْنَهُ الْخُزَاعِيَّ ، عَيْنًا وَحْدَهُ إِلَى عَدُوٍّ كَثِيرٍ ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ : مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ ؟ أَنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ فِيمَا مَضَى . وَفِيهَا السُّنَّةُ فِي مُشَاوَرَةِ الْإِمَامِ أَصْحَابَهُ فِيمَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مِنْ أَمَرِ عَدُوِّهِمْ ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، لِمَا قَالَ حِينَ جَاءَهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ ، يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ وَجَمْعِهِمْ لَهُ ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى قِتَالِهِ ، وَصَدِّهِ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ : أَشِيرُوا عَلَيَّ ، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا قَبْلَ ذَلِكَ بِبَدْرٍ ، اسْتَشَارَ مَنِ اسْتَشَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَمَرِ الْأُسَارَى ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ مَا أَشَارَا بِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِيمَا مَضَى ، وَكُلُّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَلْيَتَأَدَّبْ بِهِ الْأَئِمَّةُ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : {{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }} الْآيَةُ . كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ إِلَيْهِمْ حَاجَةٌ ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهِ بَعْدَهُ . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : مَا شَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أَمْرِهِمْ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ : مَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْمَشُورَةِ إِلَّا لَمَّا عَلِمَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ ، وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ : بَلَغَنِي أَنَّهَا نِصْفُ الْعَقْلِ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الْأَخْبَارَ فِي هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ مِمَّا يُدْرِكُ بِهِ مِنَ الصَّوَابِ ، قَدْ أُمِرَ بِذَلِكَ ، فَمَنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَبِدَّ أَحَدُهُمْ بِرَأْيٍ دُونَ أَصْحَابِهِ ، لِأَنَّ الصَّوَابَ رُبَّمَا أَجْرَاهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مَنْ دُونَ الْإِمَامِ فِي الْعِلْمِ ، وَالرَّأْيِ ، يُقَالُ : إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُشَاوِرُ حَتَّى الْمَرْأَةِ . وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشُورَةَ لَا تُؤَدِّي إِلَّا إِلَى خَيْرٍ ، وَعَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ بَعْدَ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ أَعْذَرُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْتَبِدِّ بِرَأْيِهِ دُونَهُمْ ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ يَجِبُ قَبُولُهُ مِمَّنْ أَشَارَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ : قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ , أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ , اخْرُجْ , ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ ، فَقَامَ فَخَرَجَ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ ، فَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِمْرَةِ ، لِأَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ لَمَّا تُوُفِّيَ وَلَّوْا أَمَرَهُمُ امْرَأَةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ عَلَى مَعْنَى الْإِمْرَةِ لَا عَلَى مَعْنَى الْمَشُورَةِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ بَعْدَ مَشُورَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى إِبَاحَةِ سَبْيِ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ ، قَبْلَ قَتْلِ الرِّجَالِ إِذَا خَرَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَوْنًا لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ : أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ ، لَمَّا كَانَ سَبْيُ ذَرَارِيِّ الْقَوْمِ وَتَرْكُ ذَلِكَ مُبَاحًا . وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ قِتَالِ الْمُحْرِمِ مَنْ صَدَّهُ عَنِ الْبَيْتِ ، وَعَنْ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ ، مَوْجُودٌ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ . وَقَوْلُهُ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ، تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا يُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَأَضْمَرَ ذَلِكَ وَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ فَاعِلٌ فِعْلًا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إِلَّا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، قَالَ اللَّهُ : {{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }} الْآيَةُ ، أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مُعْطِيهِمْ كُلَّ خُطَّةٍ دَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ ، تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، لَمَّا أَعْلَمُهُ اللَّهُ ذَلِكَ ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَعَ أَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَمَا صَالَحَهُمْ وَتَرْكَهُ قِتَالَهُمْ فِي الْحَرَمِ مِنْ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ أَهْلِهِ ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا فَتْحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ : إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي ، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ لَا تَبْدَؤا فِيهَا بِقِتَالٍ ، لَا أَنَّ مُحَارَبَةَ مَنْ حَارَبَهُمْ لَا يَجُوزُ ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : {{ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ , فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ }} الْآيَةُ ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ : أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ ، فَيَكُونُوا مُقَاتِلِينَ إِذَا بُدِئُوا بِالْقِتَالِ ، لَا مُبْتَدِئِينَ قِتَالًا فِي الْحَرَمِ . وَمِنْ ذَلِكَ انْتِزَاعُهُ السَّهْمَ مِنْ كِنَانَتِهِ ، لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ الْعَطَشَ ، وَأَمْرُهُ إِيَّاهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي الْمَاءِ ، وَذَلِكَ أَحَدُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ لِيَتَحَقَّقَ عِنْدَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ أَمَرُهُ ، وَإِنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَلِيَزْدَادُوا مِنْ أَمْرِهِ وَصِدْقِهِ بِذَلِكَ بَصِيرَةً . وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبَاحَةُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ، عَلَى غَيْرِ مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانَ حَتَّى يُسْلِمُوا ، وَقِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا ، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، وَإِنَّمَا فَرَضَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَطَاقَ قِتَالَهُمْ ، دُونَ مَنْ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ مِمَّنْ يَعْجَزُ عَنْ قِتَالِهِمْ ، إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَرْجُو أَنْ يَقْوَى إِلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ ، إِذَا مِنْ يُخَلِّفُ عَنِ الْقِتَالِ لِلْعُذْرِ غَيْرُ آثَمٍ ، وَلَا حَرَجَ ، وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عِنْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ نَاسًا عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَخَذَهُ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ أَحْوَطَ لِلْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةُ عَدُوِّهِمْ إِلَى مُدَّةٍ يَقْوَوْنَ بِانْقِضَائِهَا عَلَيْهِمْ ، فَهَادَنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ، يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، وَيُقَالُ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ : {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }}
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَالنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يُخَالِطُونَ الْحُزْنَ وَالْكَآبَةَ ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ ، وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ ، فَقَالَ قَتَادَةُ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا ، قَالَ : فَلَمَّا تَلَاهَا نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : هَنِيئًا مَرِيًّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَا يَفْعَلُ بِكَ ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا : {{ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا }} الْآيَةُ
حَدَّثَنَا مُوسَى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }} الْآيَةُ ، قَالَ : خَيْبَرُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ كِتَابِ اللَّهِ , وَظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِنَّمَا صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى جِهَةِ النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى لِكَثْرَةِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى مَنْعِهِ ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ ، وَطَلَبًا لِلتَّفَرُّغِ لِقِتَالِ غَيْرِهِمْ ، وَأَمْنًا لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلِيَتَقَوَّى لِحَرْبِهِمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مُهَادَنَةُ الْعَدُوِّ عَلَى النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ، لَا يَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ إِلَى غَيْرِ مُدَّةٍ ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُمْ عَلَى الْأَبَدِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ يَجِبُ إِذَا كَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ حَتَّى يُسْلِمُوا ، وَقِتَالُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَجِبُ حَتَّى يُسْلِمُوا ، أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ، وَإِذَا هَادَنَهُمْ عَلَى غَيْرِ مُدَّةٍ ، كَانَ ذَلِكَ عَقْدًا خِلَافَ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا خِلَافَ أَمَرِ اللَّهِ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّمَا صَالَحَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ قِتَالِهِمْ ، أَلَا تَرَاهُ أَخْبَرَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ ، وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ ، لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنْهُ ، وَأَكْثَرُ عَدَدًا وَعُدَّةً مِنْهُ ، بَلْ طَمَعًا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ . وَفِي مُهَادَنَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ مُدَّةً أَطْوَلَ مِنْ مُدَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَ قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ هَادَنَ قَوْمًا ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا هَادَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ ، كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَعَ الْعُذْرِ الْمَوْجُودِ أَقْصَى مُدَّةً ، يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ إِلَى مِثْلِهَا عَلَى الصَّلَاحِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ أَقُولُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ , يُصَالِحُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى فِيهِ الصَّلَاحُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ . وَمَتَى أَبَحْنَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ قَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا ، وَاحْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ يَمْدُدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا إِلَى مُدَّةٍ ثَانِيَةٍ ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَنْ يَقْوَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا صَالَحَهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَائِمَةٌ حِينَ صَالَحَهُمُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِحَاجَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى ذَلِكَ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ إِذَا رَأَى مُصَالَحَةَ عَدُوٍّ وَمُهَادَنَتَهُمْ أَنْ يَبْدَأَ هُوَ فَيَعْرِضُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَدَأَ فَقَالَ لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ : إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ ، فَإِنْ شَاؤُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً ، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ ، فَإِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ، فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمَعُوا ، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمَرَهُ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاقَدَةَ بَعْضِ وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ الْإِمَامَ عَنْ أَصْحَابِهِ جَائِزٌ ، لِأَنَّ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ ، إِنَّمَا عَقَدَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحْدَهُ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ أَصْحَابِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ الْوُقُوفِ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ فِي حَالِ الْحَرْبِ عِنْدَ مَجِيءِ رَسُولِ الْعَدُوِّ بِالسُّيُوفِ ، تَرْهِيبًا لِلْعَدُوِّ ، وَحِرَاسَةً لِلْإِمَامِ , أَنْ يُنَالَ بِمَكْرُوهٍ ، وَهَذَا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ ، اسْتِدْلَالًا بِقِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ ، وَقَالَ : أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ يَدَهُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَهِ الْحَالِ وَبَيْنَ الْحَالِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً لِلْمُسْلِمِينَ ، مَغْنُومَةً إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ قَهْرًا ، فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ بِالْأَمَانِ لَهُمْ عَلَيْهَا ، مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا ، إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ فِي حَالِ الْأَمَانِ لَهُمْ ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ : أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُغِيرَةِ لِأَمْنِهِمْ لَمَّا صَحِبُوهُ ، وَقَدْ أَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ ، عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَكَانَ سَفْكُهُ دِمَاءَهُمْ وَأَخَذُهُ أَمْوَالَهُمْ فِي الْوَقْتِ غَدْرًا مِنْهُ بِهِمْ ، وَالْغَدْرُ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَالْأَمَانَاتُ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُشْرِكِينَ . وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى طَهَارَةِ النُّخَامَةِ ، لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ لِأَصْحَابِهِ ، مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَوْلُهُ : فَوَاللَّهِ لَمَا يَتَنَخَّمُ رَسُولُ اللَّهِ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَهَذَا يُلْزِمُ النَّخَعِيَّ حَيْثُ قَالَ : إِنَّ الْبُزَاقَ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ أُهْرَاقَ الْمَاءُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى طَهَارَةِ الْبُزَاقِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ . وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِحْبَابُ الْفَأْلِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَ عِكْرِمَةُ : قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ ، لَمَّا أَقْبَلَ سُهَيْلٌ ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ، وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ فِيمَا يُصَالِحُ عَلَيْهِ مَنْ رَأَى صُلْحَهُ صَلَاحًا بَعْضَ مَا فِيهِ الْغَيْمُ وَالضَّعْفُ ، فِيمَا يَشْرُطُهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي صُلْحِهِمْ ، إِذَا كَانَ يَرْجُو فِيمَا يُسْتَقْبَلُ عَاقِبَةَ نَفْعِ ذَلِكَ ، بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا يُعْطِيهِمْ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ ، فَمِمَّا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَرْكُهُ كِتَابَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَكَتَبَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، وَكِتَابَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ مَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَالِانْصِرَافَ عَنْهُمْ عَامَهُ عَلَى غَيْرِ تَمَامِ الْعُمْرَةِ ، وَرَدَّهُ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا إِلَيْهِمْ ، وَقَدْ ضَاقَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاضْطَرَبُوا مِنْهُ ، وَعَجِبُوا إِذْ لَمْ تَحْتَمِلْ عُقُولُهُمْ ، وَأَنَّ لَهُمْ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا كَانَ مَحْمُودًا فِي الْعَاقِبَةِ غَيْرَ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ خُصَّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَعْرِفَةِ صَوَابِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، قَالَ : اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِرَأْيِي اجْتِهَادًا ، وَاللَّهِ مَا آلُو عَنِ الْحَقِّ ، وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ ، فَقَالَ : اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَقَالُوا : إِذًا صَدَّقْنَاكَ بِمَا تَقُولُ ، وَلَكِنْ نَكْتُبُ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ ، بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَبَيْتُ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَالَ لِي : يَا عُمَرُ أَتُرَانِي رَضِيتُ وَتَأْبَى أَنْتَ ؟ ، قَالَ : فَرَضِيتُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَعْلَمَهُمْ بِاللَّهِ ، وَأَشَدَّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ، وَلِأَمْرِهِ تَعْظِيمًا ، وَلِدِينِهِ إِعْزَازًا ، وَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَلَعَلَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ كَانَ عَنْ أَمَرِ رَبِّهِ ، بَلْ لَا شَكَّ فِيهِ ، لِقَوْلِهِ لِعُمَرَ : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِلَّهِ مَعْصِيَتُهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، كَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُخَاطَبَةٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، مَعَ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى النُّبُوَّةِ ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى أَبِيهِ صِدْقًا وَحَقًّا ، وَلَيْسَ فِي رَدِّ مَنْ رَدَّ مِنْهُمِ فِيمَا شَرَطُوهُ فِي الْكِتَابِ أَكْثَرُ مِنْ تَخَوُّفِ الْفِتْنَةِ عَلَى مَنْ رَدَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ ، وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ عَنْ مَنْ فُتِنَ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ ، فَأَعْطَى بِلِسَانِهِ مُكْرَهًا خِلَافَ مَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ ، فَإِمَّا مُعْطِيًا بِلِسَانِهِ عَلَى الْإِكْرَاهِ مَا لَا يَضُرُّهُ ، أَوْ صَابِرًا عَلَى الْمَكْرُوهِ حَتَّى يُقْتَلَ شَهِيدًا ، عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَرُدُّونَ إِمَّا إِلَى أَبٍ أَوْ إِلَى أَخٍ ، أَوْ ذَوِي رَحِمٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ مَكْرُوهًا ، لِأَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ مِنْ أَهَالِيهِمْ أُشْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُسْلِمُوهُ لِلْمَكْرُوهِ ، وَقَدْ أَمْضَى اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ ، وَسَمَّاهُ فَتْحًا مُبِينًا
قَالَ الزُّهْرِيُّ : انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ ، يَعْنِي غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ ، قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ : {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }} الْآيَةُ . حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ تَبَيَّنَ صَلَاحُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا جَنْدَلٍ صَارَ مِنْ أَمْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ جِيءَ بِأَبِي بَصِيرٍ ، وَاجْتَمَعَتِ الْعِصَابَةُ الَّتِي اجْتَمَعَتْ ، وَصَارَ مِنْ أَمْرِهِمْ أَنَّ قُرَيْشًا أَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ ، إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَمَّا مَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ ، فَلَمْ يُرِيدُوا إِلَّا عَزَّ الدِّينِ ، وَكَرِهُوا دُخُولَ الضَّعْفِ وَالْوَهَنِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، مَعَ أَنَّ الْأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلَ تَسْلِيمُ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ ، لِمَا سَلَّمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَرَضِيَ بِهِ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ ، قَالَ عُمَرُ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : أَلَسْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ ، وَهُوَ نَاصِرِي ، قُلْتُ : أَوَ لَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ ؟ ، قَالَ : أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ ، قَالَ : لَا ، قَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ، قَالَ : فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا ؟ ، قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ ، قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ؟ ، قَالَ : أَيْهِ الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، لَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ ، وَهُوَ نَاصِرُهُ ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ ، قُلْتُ : أَوَلَيْسَ كَانَ عُدَّتُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ، قَالَ : بَلَى ، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيَهُ الْعَامَ ؟ قَالَ : لَا ، وَقَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : قَالَ عُمَرُ : فَفَعَلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا . فَفِي جَوَّابِ أَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ ، وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَدِينِهِ بَعْدَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَفِي قَوْلِهِ : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ ، وَهُوَ نَاصِرِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَجَابَ إِلَى مَا أَجَابَ بِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ . وَيَدُلُّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ، بَعْدَمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ ، عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا لَمْ يَجْعَلْ لِذَلِكَ وَقْتًا : أَنَّ وَقْتَ ذَلِكَ جَمِيعُ حَيَاتِهِ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ إِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ ، وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَفِي إِجَابَةِ أَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَيَانُ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا ، لَهُ أَجَلُ الْمَوْلَى ، خِلَافَ ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ . وَمِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ كِتَابِ الْكَاتِبِ ، هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، وَعَلَى إِغْفَالِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا مَا نَفْيٌ ، وَلَيْسَ بِإِثْبَاتٍ ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ كَاتِبَ : هَذَا مَا اشْتَرَى يُنْفَى بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى شَيْئًا يَجْعَلُهُ فِي مَوْضِعِ جَحْدٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إِغْفَالِ هَذَا الْقَائِلِ بَيِّنٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ : {{ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ }} الْآيَةُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ جَحْدٌ لِمَا أَعَادَ مِنْ ذِكْرِ الْكَنْزِ ، وَأَوَّلُ الْكَلَامِ وَآخِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى : {{ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ }} ، هَذَا الَّذِي كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ، لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْجَحْدِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ : {{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ }} الْآيَةُ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ إِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ يُحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَلَّ وَنَحَرَ ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُحْصِرُوا فِيهِ فِي الْحِلِّ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ الْحَرَمِ ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ . وَمِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ النِّسْوَةِ الْمُؤْمِنَاتِ ، قَالَ : ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٌ }} حَتَّى بَلَغَ : {{ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }} الْآيَةُ ، فَطَلَّقَ عُمَرُ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الزَّوْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ، وَقَدْ بَيَّنْتُ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ، فَكَرِهْتُ إِعَادَةَ ذَلِكَ هَهُنَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ أَبِي بَصِيرٍ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ دَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَيْهِمَا لِيَرُدَّاهُ إِلَى مَكَّةَ ، فَفِي عِلْمِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَلِكَ ، وَتَرَكَهُ إِنْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ عَنِ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مِثْلِ هَذَا ، وَشَبَهُهُ إِذَا لَمْ يَحْضُرْ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ ، اقْتِدَاءَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَقَالَ قَوْمٌ : لَمْ يَنْعَقِدِ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ قَطُّ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ ، وَمَرْوَانَ ، وَعَلِيٍّ : أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا ، فَاحْتَجَّ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ ، وَقَالَ غَيْرُهُمُ : انْعَقَدَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ فِي خَبَرِ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَعَلِيٍّ : أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا ، قَالُوا : فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ : أَحَدٌ ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ، قَالُوا : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ : {{ إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ }} الْآيَةُ ، فَامْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنْ يَرُدَّهُنَّ إِلَيْهِمْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ أَعْطَاهُمْ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمُ الرِّجَالَ مِنْهُمْ وَالنِّسَاءَ ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ الشَّرْطَ فِي النِّسَاءِ ، وَذَكَرَ أَنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَعْطَى شَرْطًا خِلَافَ كِتَابِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَمِيلُونَ أَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَنْعَقِدْ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ . وَفِي قَوْلِهِ : وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُ إِلَيْهِمُ ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ خَرَجَ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بَعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ ، إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا ، فَقَتَلُوهُمْ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنَ جَاءَ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُدْلِجِيُّ ، هُوَ ابْنُ مَالِكٍ ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ ، أَنَّ أَبَاهُ ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ ، يَقُولُ : جَاءَتْنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةً كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، لِمَنْ قَتَلَهُمَا أَوْ أَسَرَهُمَا ، قَالَ : فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجَالِسِ قَوْمِي مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : يَا سُرَاقَةُ آنِفًا أَسْوِدَةٌ بِالسَّاحِلِ ، أَرَاهُمَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ ، قَالَ سُرَاقَةُ : فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ ، فَقُلْتُ : أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا ، وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بُغَاةً ، قَالَ : ثُمَّ مَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ إِلَّا سَاعَةً ، حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي ، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تُخْرِجَ لِي فَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ تَحْبِسُهَا عَلَيَّ ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي ، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ ، فَخَطَطْتُ بِزَجِّي الْأَرْضَ ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي ، فَرَكِبْتُهَا ، فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ بِي ، حَتَّى رَأَيْتُ أَسْوَدَتَهُمْ ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ ، عَثُرَتْ فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا ، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي عَلَى كِنَانَتِي ، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ أَلَا أَضُرُّهُمْ ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي ، وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ ، فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ بِي مِنْهُمْ أَيْضًا ، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي حَتَّى بَلَغَتِ الرِّكَابَيْنِ ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ، فَزَجَرْتُهَا ، فَمَا كَادَتْ تَخْرُجُ يَدَاهَا ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا الْأَثَرُ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِنَ الدُّخَانِ . قَالَ مَعْمَرٌ : قُلْتُ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ ، مَا الْعُثَانُ ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : هُوَ الدُّخَانُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ : فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ أَلَّا أَضُرَّهُمَا ، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ ، فَوَقَفَا ، وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مِنْهُمْ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ ، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ دِيَةً ، وَأَخْبَرْتُهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سَفَرِهِمْ ، وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ ، فَلَمْ يَرْزَؤُنِي شَيْئًا ، وَلَمْ يَسْأَلُونِي إِلَّا أَنْ أَخْفِ عَنَّا ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَهُ لِي فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ ، ثُمَّ مَضَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَنَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، خُزَاعَةَ ، وَمُدْلِجٍ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَعَا بَنِي النَّضِيرِ إِلَى أَنْ يُعْطُونَهُ عَهْدًا يُعَاهِدُونَهُ عَلَيْهِ ، فَأَبَوْا فَقَاتَلَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ *
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ ، أَخْبَرَهُمْ ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ ، أَقْبَلَ بِكِتَابٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِيَ الْإِسْلَامُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ ، وَلَا أَحْبِسُ الْبَرْدَ ، وَلَكِنِ ارْجِعْ ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِي قَلْبِكَ الْآنَ فَارْجِعْ ، قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ إِنِّي أَقْبَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَسْلَمْتُ ، قَالَ بُكَيْرٌ : وَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ قِبْطِيًّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ ، مَا لَمْ يَنْقُضُ الْعَدُوُّ ، فَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ جَازَ نَقْضُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُهُ فِي ذَلِكَ مَذْمُومًا اسْتِدْلَالًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ : {{ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ }} الْآيَةَ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَاقَدَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَّةِ ، فَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ الْعَهْدَ سَارَ إِلَيْهِمْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْوَفَاءُ بِكُلُّ عَهْدٍ لَا يُخَالِفُ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً ، فَأَمَّا مَا خَالَفَ مِنْهُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةٍ ، فَنَقْصُ ذَلِكَ يَجِبُ ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ عُقِدَ خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّايِغُ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ ، قَالَ : كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ ، فَأَرَادَ أَنْ يَغْزُوَهُمْ فَجَعَلَ يَتَهَيَّأُ ، قَالَ : فَجَعَلَ رَجُلٌ بِأَرْضِ الرُّومِ عَلَى بِرْذَوْنٍ لَهُ يَقُولُ : وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ ، قَالَ : فَدَعَاهُ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحِلَّ عَقْدَهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا ، أَوْ يُنْبَذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ
حَدَّثَنَا يَحْيَى ، قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : الْغَادِرُ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ ، وَلَا ظَهَرَتْ فَاحِشَةٌ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ ، وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنْ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ ، وَقُرَيْظَةَ ، حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ بَنِي النَّضِيرِ ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَّمَ نِسَاءَهُمْ ، وَأَوْلَادَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ فَأَمَّنَهُمْ ، وَأَسْلَمُوا ، وَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ ، بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، يَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ مَنْ خَافَ خِيَانَتَهُ بِالْحَرْبِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَجِدَ دَلَالَةً قَوِيَّةً تَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ ، وَيُقَالُ : إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قُرَيْظَةَ : {{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبُذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ }} الْآيَةُ ، كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : {{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً }} مُجَازُ فَأَمَّا فَإِنْ تَخَافَنَّ ، وَمَعْنَاهَا فَإِمَّا تُوقِنَنَّ مِنْهُمْ خِيَانَةً ، وَغَدْرًا ، أَوْ خِلَافًا ، وَغِشًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي غَيْرِهِ : السَّوَاءُ الْعَدْلُ ، وَأَنْشَدَ لِبَعْضِهِمْ : فَاضْرِبْ وُجُوهَ الْغَدْرِ الْأَعْدَاءِ حَتَّى يُجِيبُوكَ إِلَى السَّوَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ {{ فَانْبُذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ }} أَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ قَدْ حَارَبْتَهُمْ حَتَّى يَصِيرُوا مِثْلَكَ فِي الْعِلْمِ ، فَذَلِكَ السَّوَاءُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ ، قَالَ : فَأَتَى بِالرَّبِيعِ وَكِنَانَةَ ابْنِي أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَأَحَدُهُمَا عَرُوسٌ بِصَفِيَّةَ ، قَالَ : فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمَا ، قَالَ : أَيْنَ آنِيَتُكُمَا الَّتِي كَانَ تُسْتَعَارُ فِي أَعْرَاسِ الْمَدِينَةِ ، قَالَا : أَخْرَجْتَنَا ، وَأَجْلَيْتَنَا ، فَأَنْفَقْنَاهَا ، قَالَ : انْظُرَا مَا تَقُولَانِ فَإِنَّمَا إِنْ كَتَمْتُمَانِي اسْتَحْلَلْتَ بِذَلِكَ دِمَاءَكُمَا وَذُرِّيَّتَكُمَا ، قَالَا : نَعَمْ ، قَالَ : فَدَعَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى مَكَانِ كَذَا ، إِلَى نَخْلِ كَذَا ، فَانْظُرْ نَخْلَةً فِي رَأْسِهَا رُقْعَةٌ ، فَانْزِعِ الرُّقْعَةُ ، فَاسْتَخْرِجْ تِلْكَ الْآنِيَةَ ، فَائْتِ بِهَا ، قَالَ : فَانْطَلَقَ حَتَّى جَاءَ بِهَا ، قَالَ : فَقَدَّمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمَا ، قَالَ : ثُمَّ بَعَثَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِمَا ، وَأَتَى بِصَفِيَّةَ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي رُقْيَةَ ، وَكَانَ ، مِمَّنِ افْتَتَحَ مِصْرَ ، قَالَ : افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، فَقَالَ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ فَلْيَأْتِنَا بِهِ ، قَالَ : فَأُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ ، وَبَعَثَ إِلَى عَظِيمِ أَهْلِ الصَّعِيدِ ، فَقَالَ : الْمَالُ ، فَقَالَ : مَا عِنْدِي مَالٌ ، فَسَجَنَهُ ، وَكَانَ عَمْرٌو يَسْأَلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ، هَلْ تَسْمَعُونَهُ يَذْكُرُ أَحَدًا ؟ ، قَالُوا : نَعَمْ ، رَاهِبًا بِالطُّورِ ، فَبَعَثَ عَمْرٌو ، فَأَتَى بِخَاتَمِهِ فَكَتَبَ كِتَابًا عَلَى لِسَانِهِ بِالرُّومِيَّةِ ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ مِنْ قِبَلِهِ إِلَى الرَّاهِبِ ، قَالَ : فَأَتَى بِقُلَّةٍ مِنْ نُحَاسٍ مَخْتُومَةٍ بِرَصَاصٍ ، فَإِذَا فِيهَا كِتَابٌ ، وَإِذَا فِيهِ ، يَا بَنِيَّ إِنْ أَرَدْتُمْ مَالَكُمْ فَاحْفُرُوا تَحْتَ الْفِسْقِينَةِ ، قَالَ : فَبَعَثَ عَمْرٌو الْأُمَنَاءَ فَحَفَرُوا فِيهَا ، فَاسْتَخْرَجُوا خَمْسِينَ إِرْدَبًّا دَنَانِيرَ ، فَضَرَبَ عُنُقَ النَّبَطِيَّ وَصَلَبَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَمْرًو كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُونَ أَمْوَالَهُمْ ، كَحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ ابْنِي أَبِي الْحُقَيْقِ . وَقِيلَ لِأَحْمَدَ : أَهْلُ الْعَهْدِ إِذَا نَقَضُوا ، تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ أَمْ لَا ؟ ، قَالَ : كُلُّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ النَّقْضِ يُسْبَوْنَ ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُسْبَوْنَ . وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ : وَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَمْ يُوَفِّ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِجَمِيعِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبُذَ إِلَيْهِمْ ، يُلْحِقُهُ بِمَأْمَنِهِ ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهَ ، فَإِنْ قَالَ إِمَامٌ : أَخَافُ خِيَانَةَ قَوْمٍ ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى خِيَانَتِهِمْ مِنْ خَبَرٍ وَلَا عِيَانٍ فَلَيْسَ لَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، نَقْضُ مُدَّتِهِمْ إِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً . وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا ، فَأَغَارُوا عَلَى قَوْمٍ مُوَادِعِينَ ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ ، أَوْ مُسْلِمَيْنَ ، فَقَتَلُوا ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرُوا نَقْضَ الصُّلْحِ ، فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ ، وَقَتْلُهُمْ ، وَسَبَاهُمْ ، وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ ، لَزِمَهُمْ مَنْ قَتَلُوا أَوْ جَرَحُوا أَوْ أَخَذُوا مَالَهُ الْحُكْمُ كَمَا يَلْزَمُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ قَوْدٍ وَعَقْلٍ وَضَمَانٍ قَالَ : وَإِذَا أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْ قَوْمٍ فَقَطَعَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الطَّرِيقَ ، أَوْ قَاتَلُوا رَجُلًا مُسْلِمًا فَضَرَبُوهُ ، أَوْ ظَلَمُوا مُسْلِمًا ، أَوْ مُعَاهِدًا ، أَوْ زَنَا مِنْهُمْ زَانٍ ، أَوْ أَظْهَرَ فَسَادًا فِي مُسْلِمٍ ، أَوْ مُعَاهِدٍ ، حَدَّ فِيهَا الْحَدَّ ، وَعُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً فِيمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ يُحِلُّ دَمَهُ ، لَا يَكُونُ نَقْضُ الْعَهْدِ إِلَّا مَنْعَ الْجِزْيَةِ ، أَوِ الْحُكْمَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعَ بِذَلِكَ . وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي الَّذِي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ بِخَبَرٍ عَنْهُمْ ، بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شَيْئًا ، لِتَحْذَرُوهُ الْمُسْتَأْمَنَ أَوِ الْمُوَادِعَ ، أَنْ يَمْضِيَ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا عَنْهُمْ ، فَقَالَ : يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ ، وَيُحْبَسُونَ عُقُوبَةً ، وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ يُحِلُّ سَبْيَهُمْ ، وَلَا أَمْوَالَهُمْ ، وَلَا دِمَاءَهُمْ ، إِذَا صَارَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ، فَقَالُوا : لَمْ نُرِدْ بِهَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ ، فَلَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْعَهْدٍ ، وَيُعَزَّرُ ، وَيَحْبِسُ . وَقَالَ النُّعْمَانُ : فِي الْمَلِكِ مِنَ الْمُلُوكِ يُصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَصِيرُ لَهُمْ ذِمَّةٌ ، ثُمَّ جَعَلَ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا ، وَيُؤْوِي عَيْنَهُمْ إِلَيْهِ لَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِعَهْدِهِ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعَاقِبُوهُ ، وَيَحْبِسُوهُ ، وَإِنْ قَتَلَ هُوَ وَبَعْضُ مَنْ صَارَ ذِمَّةً رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا نَقْضًا لِلْعَهْدِ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُونَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ، قُتِلَ بِهِ
فَفِي خَبَرِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ قُرَيْشًا هَادَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَصَالَحَتْهُ عَلَى سِنِينَ أَرْبَعٍ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ : وَكَانَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللَّهُ بِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، يَكُونُ النَّظَرُ لَهُمْ فِيهِ مُهَادَنَةُ الْعَدُوِّ ، وَأَلَّا يُهَادِنَهُ إِلَّا فِي مُدَّةٍ ، وَلَا تَجَاوَزَ بِالْمُدَّةِ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، كَانَتِ النَّازِلَةُ مَا كَانَتْ ، فَإِنْ هَادَنَهُمْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَالْهُدْنَةُ مُنْتَقِضَةٌ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرْضُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أَهْلَ الْجِزْيَةِ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إِنْ صَالَحَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْجِزْيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا ، عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ ، لَمْ نَعْمَدْ مُصَالَحَتَهُمْ ، قَدْ صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ خَرَاجٍ يُؤَدُّنَهُ إِلَيْهِ ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ، أَهْلُ حِصْنٍ ، وَأَهْلُ مَدِينَةٍ ، أَوْ أَهْلُ عَسْكَرٍ ، أَوْ أَهْلُ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ سَأَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوَادِعُوهُمْ سِنِينَ مَعْلُومَةً ، عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ ، وَعَلَى أَنْ لَا تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَخَشِيَ الْمُسْلِمُونَ إِنْ لَمْ يُوَادِعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، لَمْ يَقْوَوْا عَلَيْهِمْ وَادَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ وَادَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ رَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ لَهُمْ قُوَّةً ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَنْبُذُوا إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ يُقَاتِلُوهُمْ . وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ ثُمَّ نَقَضُوهُ الْعَامَ الرَّابِعَ لِلْحُدَيْبِيَةِ ، حَكَى ابْنُ حِزَامٍ هَذَا الْقَوْلَ ، قَالَ : قِيلَ لِي ذَلِكَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُهَادَنَةً ، فَلِلْإِمَامِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَتُهُمْ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، لَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ }} الْآيَةَ ، فَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مُدَّةً بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ ، وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، لِمَا وَصَفْتُ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ فِيهِمْ ، وَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ أَنْ يُهَادِنَ إِلَّا عَلَى النَّظَرِ ، وَيَجُوزُ لَهُ فِي النَّظَرِ لِمَنْ رَجَا إِسْلَامَهُ ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى بِلَادٍ ، وَقَدْ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَلِكَ لِصَفْوَانَ حِينَ خَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْيَمَنِ ، ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ مُدَّتُهُ ، وَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَإِنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِهَذَا مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبُذَ إِلَيْهِ ، مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَيُوَفِّيَهُ الْمُدَّةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ : لَا أَفِي بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، لِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا جَاوَزَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ مُوَادَعَةِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى فِدْيَةٍ أَوْ جِزْيَةٍ يُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ ، قَالَ : لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ ، وَشُغْلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ حَرْبِهِمْ عَنْ قِتَالِ عَدُوِّهِمْ ، أَوْ فِتْنَةٍ شَمَلَتِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ . وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : لَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى عِدَّةِ سَبْيٍ يُؤَدُّونَهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَقِيلَ لَهُ : فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الرُّوسُ وَالْفِدْيَةُ وَالسَّبْيُ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَحْرَارِهِمْ يَبْعَثُ بِهِ مَلِكُهُمْ إِلَيْهِ ؟ ، قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَا يَضُرُّهُ مِنْ أَحْرَارِهِمْ كَانَ ذَلِكَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ، إِذَا كَانَ الصُّلْحُ لَيْسَ بِصُلْحِ ذِمَّةٍ وَخَرَاجٍ يُقَاتِلُ مَنْ وَرَاءَهُمْ ، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ . وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُصَالِحُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَلْفِ رَأْسٍ كُلَّ سَنَةٍ ، فَكَانَ يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ يُؤَدُّونَهُ ، قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ يَجِيءُ بِهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ . وَقَالَ النُّعْمَانُ : إِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِمْ مِائَةَ رَأْسٍ كُلَّ سَنَةٍ ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ يُؤَدُّونَهَا مِنْ أَبْنَائِهِمْ ، فَلَا خَيْرَ فِي الصُّلْحِ عَلَى هَذَا ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدًا لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى ذَرَارِيِّهِمْ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ حِصْنٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَزَلَ بِهِ الْعَدُوُّ ، فَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ بِهِ طَاقَةٌ ، أَلَهُمْ أَنْ يُصَالِحُوهُمْ ، عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ سِلَاحَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ ، وَكِرَاعَهُمْ ، عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنْهُمْ ؟ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، فَقِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمُوا أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِمْ ، وَسَأَلَهُمُ الْعَدُوُّ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ ، قَالَ : فَلَا يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ ، وَلْيُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَمُوتُوا . وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِنْ أَرَادُوا مُصَالَحَةَ الْمُسْلِمِينَ ، عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِمْ أَهْلَ الْحَرْبِ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا ، عَلَى أَنَّ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ ، أَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَالِحُوهُمْ عَلَى ذَاكَ ؟ ، قَالَ : لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : صَالَحَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ؛ مَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلُوهَا مِنْ قَابِلٍ ، فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ ، وَالْقَوْسِ ، وَالسَّيْفِ ، وَنَحْوِهِ ، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجِلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : لَمَّا حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحُوا أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمُ بِهَا ثَلَاثًا ، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يَمْكُثَ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ : اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا ، فَكَتَبَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ ، وَلَكِنِ اكْتُبْ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا ، فَقَالَ عَلِيُّ : وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَرِنِي مَكَانَهَا ، فَأَرَاهُ ، فَمَحَاهَا ، وَكَتَبَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثِ ، قَالُوا لِعَلِيٍّ : إِنَّ هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ ، فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَخَرَجَ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدْعُوهُ ، وَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ ، قَالَ : فَكَتَبَ : هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَهْلَ مَكَّةَ ، أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ ، وَأَنْ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدٌ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ ، وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا ، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا ، فَقَالُوا : قُلْ لِصَاحِبِكَ فَلْيَخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
وَأَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا جَاءَتْنَا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مَسْلَمَةً مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ ، فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا ، مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ ، وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجُهَا بِنَفْسِهِ ، أَوْ طَلَبَهَا غَيْرُهُ لِوِكَالَتِهِ مُنِعَهَا ، وَفِيهَا قَوْلَانِ ؛ أَحَدُهُمَا يُعْطَى الْعِوَضَ ، وَالْعِوَضُ مَا قَالَ اللَّهُ : {{ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا }} الْآيَةُ ، قَالَ : قَالَ : وَمِثْلُ مَا أَنْفَقُوا يَحْتَمِلُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، مَا دَفَعُوا بِالصَّدَاقِ ، لَا النَّفَقَةَ غَيْرَهُ ، وَلَا الصَّدَاقَ كُلَّهُ ، إِنَّ كَانُوا لَمْ يَدْفَعُوهُ ، قَالَ : وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْعِوَضَ بِحَالٍ ، إِلَّا أَنْ يَطْلُبَهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ إِلَى وَالٍ يُخَلِّفُهُ بِبَلَدِهِ ، فَإِنْ طَلَبَهَا إِلَى مَنْ دُونَ الْإِمَامِ مِنْ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ ، أَوْ إِلَى مَنْ يُوَلِّيهِ الْإِمَامُ هَذَا ، فَلَا يَكُونُ لَهُ بِهِ الْعِوَضُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ : وَهُوَ أَنْ يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكَ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مَسْلَمَةً الْعِوَضَ ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ بِرَدِّ النِّسَاءِ كَانَ الشَّرْطُ مُنْتَقِضًا ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ : إِنَّ شَرْطَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، إِذْ دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ ، وَكَانَ النِّسَاءُ مِنْهُمْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا ، فَنَسَخَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ رَسُولُهُ ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا نُسِخَ مِنْهُ الْعِوَضَ ، وَلَمَّا قَضَى اللَّهُ ، ثُمَّ رَسُولُهُ ، أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ رَدُّهُنُّ ، وَلَا عَلَيْهِ عِوَضٌ فِيهِنَّ ، لِأَنَّ شَرْطَ مَنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ بَعْدَ نَسْخِ اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ لَهَا بَاطِلٌ ، وَلَا يُعْطَى بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ ، قَالَ : وَكَانَ أَشْبَهُهُمَا أَنْ يُعْطُوا عِوَضًا ، وَالْآخَرُ كَمَا وَصَفْتُ ، يُعْطَوْنَ فِيهِ الْعِوَضَ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إِلَّا الْخَلِيفَةُ ، أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ ، لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا ، فَمَنْ عَقَدَهُ غَيْرُ الْخَلِيفَةِ فَعَقْدُهُ مَرْدُودٌ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : إِنَّ الْمُهَاجِرَاتِ كُنَّ إِذَا قَدِمْنَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُنَّ : أُبَايِعْكُنَّ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ ، وَيَتْلُو عَلَيْهِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا ، فَإِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ ، قَالَ : قَدْ بَايَعْتُكُنَّ فَارْتَفَعْنَ ، وَلَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ : مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إِلَّا امْرَأَةً أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُ ، أَوْ مِنْ قَرَابَتِهِ ، قَالَ : وَكُنَّ إِذَا أَقْرَرْنَ بِهَذَا الْكَلَامِ فَهِيَ الْمِحْنَةُ ، قَالَ وَكَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ، فَإِذًا أَدُّوا إِلَيْنَا صَدَاقَ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ نِسَائِنَا اللَّاتِي أَقَمْنَ عِنْدَكُمْ ، وَاسْأَلُونَا الصَّدَاقَ مَنْ نَكَحْنَا مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي هَاجَرْنَ إِلَيْنَا ، قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ : لَا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ لَكُمْ عِنْدَنَا حَقًّا فَنُعْطِيَكُمْ ، فَإِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّ لَنَا عِنْدَكُمْ حَقًّا فَأَعْطُونَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا }} الْآيَةُ ، قَالَتْ : فَتَعَاطَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُقُوقِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ نِسَائِهِمُ الَّذِينَ نَكَحُوا بِمَكَّةَ ، بِقَدْرِ مَا أَمْسَكُوا عَنْهُمْ ، قَالَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : قَدْ أَنْكَحْتُكَ امْرَأَتَهُ بِمَكَّةَ لَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا ، وَقَدْ نَكَحَ هَذَا امْرَأَتَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ، هَلُمَّ إِلَى حَقِّكَ فَخُذْهُ ، قَالَتْ : فَهَذَا الْعَقِبُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ : {{ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ }} الْآيَةُ ، قَالَ : بَعْدَ الصُّلْحِ وَالْعَهْدِ ، {{ فَعَاقَبْتُمْ }} ، قَالَ : اقْتَصَصْتُمْ أَصَبْتُمْ مَغْنَمًا مِنْ قُرَيْشٍ ، أَوْ غَيْرِهِمْ ، {{ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا }} الْآيَةُ ، صَدُقَاتِهِنَّ عِوَضًا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ وَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ ، فَصَالَحُوهُ أَنْ يُخَلُّوا عَلَيْهَا ، وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْجُعْلَةُ ، وَهِيَ السِّلَاحُ ، كَذَا قَالَ ، وَالصَّحِيحُ الْحَلْقَةُ ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا ، وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا ، فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا ، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ ، فَغَيَّبُوا مِسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيُّ لَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ ، كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِسَعْيَةَ عَمِّ حُيَيٍّ : مَا فَعَلَ مِسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ ؟ ، فَقَالَ : أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ ، فَقَالَ : الْعَهْدُ قَرِيبٌ ، وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ كَانَ حُيَيُّ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ سَعْيَةَ إِلَى الزُّبَيْرِ ، أَشَمَّهُ بِعَذَابٍ ، فَقَالَ : قَدْ رَأَيْتُهُ يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَهُنَا ، يَنْظُرُ فِيهَا ، فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمِسْكَ فِي الْخَرِبَةِ ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ ، كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، وَسَبَا رَسُولُ اللَّهِ ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ، وَقَبِلُوا أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا ، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْهَا ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا ، وَنَقُومُ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا لِأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ عَلَيْهَا ، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ أَنْ يَقُومُوا هُمْ ، فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ نَخْلٍ وَزَرْعٍ وَشَيْءٍ ، مَا بَدَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْتِيهِمْ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ شِدَّةَ خَرْصِهِ ، وَأَرَادُوا أَنْ يُرْشُوهُ ، فَقَالَ : يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ ، أَتُطْعِمُونِي السُّحْتَ ، وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَلَا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا : بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، قَالَ : وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خَضِرَةً ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا هَذِهِ الْخَضِرَةُ ؟ ، فَقَالَتْ : كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَأَنَا نَائِمَةٌ ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي ، وَقَالَ : تَمَنِّينَ مُلْكَ يَثْرِبَ ، قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ ، قَتَلَ زَوْجِي ، وَأَخِي ، وَأَبِي ، فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكِ أَلَّبَ عَلَيَّ الْعَرَبَ ، وَفَعَلَ ، وَفَعَلَ ، حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ . قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ سَلَبِهِ كُلَّ عَامٍ سِتِّينَ وَسْقًا مِنْ حِنْطَةٍ ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي ، وَلَا أَحْسِبُهُ إِلَّا غَلَطًا ، إِنَّمَا هُوَ تَمْرٌ ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ ، غَالَوْا فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَشُّوهُمْ ، وَأَلْقَوَا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ ، فَفَرَغُوا يَدَيْهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ خَبِيرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نُقَسِّمَهَا بَيْنَهُمْ ، فَقَسَّمَهَا عُمَرُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ رَئِيسُهُمْ : لَا تُخْرِجْنَا ، دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَتُرَاهُ سَقَطَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَكَ ، كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا ، ثُمَّ يَوْمًا ، ثُمَّ يَوْمًا فَقَسَّمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ
أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ ، حَدَّثَهُمْ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، يَقُولُ : إِنَّ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ ، وَلَا رِكَابٍ ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ خَالِصًا ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : يَحْبِسُ نَفَقَةَ سَنَةٍ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ ، قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ ، وَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَا لَهُمْ بِرَضْخٍ ، فَاقْسِمْ بَيْنَهُمْ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُرْ بِذَلِكَ غَيْرِي ، قَالَ : اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ ، قَالَ : فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ ، إِذْ جَاءَهُ مَوْلَاهُ يَرْفَأُ ، فَقَالَ : هَذَا عُثْمَانُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، قَالَ : وَلَا أَدْرِي ذَكَرَ طَلْحَةَ أَوْ لَا ؟ يَسْتَأْذِنُونَ عَلَيْكَ ، قَالَ : ائْذَنْ لَهُمْ ، قَالَ : ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : هَذَا الْعَبَّاسُ ، وَعَلِيُّ يَسْتَأْذِنَانِ عَلَيْكَ ، قَالَ : ائْذَنْ لَهُمَا ، فَلَمَّا دَخَلَ الْعَبَّاسُ ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا ، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَتَخَاصَمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرِحْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، فَقَدْ طَالَتْ خُصُومَتُهُمَا ، فَقَالَ عُمَرُ : أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ، قَالُوا : قَدْ قَالَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَا : نَعَمْ ، فَقَالَ : إِنَّى سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ هَذَا الْفَيْءِ ، إِنَّ اللَّهَ خَصَّ نَبِيَّهُ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ ، فَقَالَ : {{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ }} الْآيَةُ ، فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ خَاصَّةً ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا اخْتَارَهَا دُونَكُمْ ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ ، لَقَدْ قَسَّمَهَا اللَّهُ بَيْنَكُمْ ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ ، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً ، وَرُبَّمَا قَالَ : يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ بِجَعْلِ مَالِ اللَّهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ ، وَأَعْمَلُ فِيهَا مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ ، فَقَالَ : وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا ظَالِمًا فَاجِرًا ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ ، ثُمَّ وُلِّيتُهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي ، فَعَمِلْتُ فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنِّي فِيهَا ظَالِمٌ فَاجِرٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا صَادِقٌ ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي ، جَاءَنِي هَذَا ، يَعْنِي الْعَبَّاسَ ، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَهُ مِنَ ابْنِ أَخِيهِ ، وَجَاءَنِي هَذَا ، يَعْنِي عَلِيًّا ، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا ، فَقُلْتُ لَكُمَا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ، ثُمَّ بَدَا بِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا ، فَأَخَذْتُ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهَا ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَأَنَا مَا وُلِّيتُهَا ، فَقُلْتُمَا : ادْفَعْهَا إِلَيْنَا عَلَى ذَلِكَ ، أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ هَذَا ، وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، لَا أَقْضِي فِيهَا بَيْنَكُمَا بِقَضَاءٍ غَيْرِ هَذَا ، إِنْ كُنْتُمَا عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ ، قَالَ : فَغَلَبَهُ عَلِيُّ عَلَيْهَا ، فَكَانَتْ بِيَدِ عَلِيٍّ : ثُمَّ بِيَدِ حَسَنٍ ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ ، ثُمَّ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ ، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ ، قَالَ مَعْمَرٌ : ثُمَّ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ ، ثُمَّ أَخَذَهَا هَؤُلَاءِ ، يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ