عَنْ أَنَسٍ ، {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }} الْآيَةُ ، قَالَ : خَيْبَرُ
حَدَّثَنَا مُوسَى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }} الْآيَةُ ، قَالَ : خَيْبَرُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ كِتَابِ اللَّهِ , وَظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِنَّمَا صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى جِهَةِ النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى لِكَثْرَةِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى مَنْعِهِ ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ ، وَطَلَبًا لِلتَّفَرُّغِ لِقِتَالِ غَيْرِهِمْ ، وَأَمْنًا لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلِيَتَقَوَّى لِحَرْبِهِمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مُهَادَنَةُ الْعَدُوِّ عَلَى النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ، لَا يَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ إِلَى غَيْرِ مُدَّةٍ ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُمْ عَلَى الْأَبَدِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ يَجِبُ إِذَا كَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ حَتَّى يُسْلِمُوا ، وَقِتَالُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَجِبُ حَتَّى يُسْلِمُوا ، أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ، وَإِذَا هَادَنَهُمْ عَلَى غَيْرِ مُدَّةٍ ، كَانَ ذَلِكَ عَقْدًا خِلَافَ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا خِلَافَ أَمَرِ اللَّهِ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّمَا صَالَحَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ قِتَالِهِمْ ، أَلَا تَرَاهُ أَخْبَرَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ ، وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ ، لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنْهُ ، وَأَكْثَرُ عَدَدًا وَعُدَّةً مِنْهُ ، بَلْ طَمَعًا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ . وَفِي مُهَادَنَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ مُدَّةً أَطْوَلَ مِنْ مُدَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَ قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ هَادَنَ قَوْمًا ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا هَادَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ ، كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَعَ الْعُذْرِ الْمَوْجُودِ أَقْصَى مُدَّةً ، يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ إِلَى مِثْلِهَا عَلَى الصَّلَاحِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ أَقُولُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ , يُصَالِحُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى فِيهِ الصَّلَاحُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ . وَمَتَى أَبَحْنَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ قَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا ، وَاحْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ يَمْدُدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا إِلَى مُدَّةٍ ثَانِيَةٍ ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَنْ يَقْوَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا صَالَحَهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَائِمَةٌ حِينَ صَالَحَهُمُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِحَاجَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى ذَلِكَ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ إِذَا رَأَى مُصَالَحَةَ عَدُوٍّ وَمُهَادَنَتَهُمْ أَنْ يَبْدَأَ هُوَ فَيَعْرِضُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَدَأَ فَقَالَ لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ : إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ ، فَإِنْ شَاؤُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً ، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ ، فَإِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ، فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمَعُوا ، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمَرَهُ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاقَدَةَ بَعْضِ وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ الْإِمَامَ عَنْ أَصْحَابِهِ جَائِزٌ ، لِأَنَّ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ ، إِنَّمَا عَقَدَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحْدَهُ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ أَصْحَابِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ الْوُقُوفِ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ فِي حَالِ الْحَرْبِ عِنْدَ مَجِيءِ رَسُولِ الْعَدُوِّ بِالسُّيُوفِ ، تَرْهِيبًا لِلْعَدُوِّ ، وَحِرَاسَةً لِلْإِمَامِ , أَنْ يُنَالَ بِمَكْرُوهٍ ، وَهَذَا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ ، اسْتِدْلَالًا بِقِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ ، وَقَالَ : أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ يَدَهُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَهِ الْحَالِ وَبَيْنَ الْحَالِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً لِلْمُسْلِمِينَ ، مَغْنُومَةً إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ قَهْرًا ، فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ بِالْأَمَانِ لَهُمْ عَلَيْهَا ، مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا ، إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ فِي حَالِ الْأَمَانِ لَهُمْ ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ : أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُغِيرَةِ لِأَمْنِهِمْ لَمَّا صَحِبُوهُ ، وَقَدْ أَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ ، عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَكَانَ سَفْكُهُ دِمَاءَهُمْ وَأَخَذُهُ أَمْوَالَهُمْ فِي الْوَقْتِ غَدْرًا مِنْهُ بِهِمْ ، وَالْغَدْرُ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَالْأَمَانَاتُ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُشْرِكِينَ . وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى طَهَارَةِ النُّخَامَةِ ، لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ لِأَصْحَابِهِ ، مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَوْلُهُ : فَوَاللَّهِ لَمَا يَتَنَخَّمُ رَسُولُ اللَّهِ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَهَذَا يُلْزِمُ النَّخَعِيَّ حَيْثُ قَالَ : إِنَّ الْبُزَاقَ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ أُهْرَاقَ الْمَاءُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى طَهَارَةِ الْبُزَاقِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ . وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِحْبَابُ الْفَأْلِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَ عِكْرِمَةُ : قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ ، لَمَّا أَقْبَلَ سُهَيْلٌ ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ