عنوان الفتوى : هل كان ابن تيمية مجسِّمًا مكفِّرًا باللوازم مبيحًا لقتل المخالفين؟
السؤال
هل كان الإمام ابن تيمية من المجسِّمة، ومن أصحاب الفتاوى التي تكفر باللوازم، أو تبيح القتل؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالقول: إن شيخ الإسلام كان من المجسمة من غرائب الأقوال، ولا يسأل عن صحته إلا من لم يقرأ كتبه، وكيف يكون منهم، وهو الذي كان يرد عليهم، ويصفهم بالضلال! ومن ذلك قوله في الفتاوى الكبرى: فِي قَوْلِهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وَنَحْوُهُ أَنْ يُقَالَ: اسْتِوَاءٌ كَاسْتِوَاءِ مَخْلُوقٍ، أَوْ يُفَسَّرَ بِاسْتِوَاءٍ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثًا أَوْ نَقْصًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُحْكَى عَنْ الضُّلَّالِ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا بِالْقُرْآنِ، وَبِالْعَقْلِ. انتهى.
وحكى عن أكثر أهل السنة أنهم يكفّرون المجسمة، فقال -رحمه الله-: لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ؛ بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُكَفِّرُونَ الْمُشَبِّهَةَ، وَالْمُجَسِّمَةَ. انتهى من مجموع الفتاوى.
ويكثر مثل هذا في كتبه -رحمه الله تعالى-، فكيف يقال: إنه من المجسمة!!! فلا يرميه بذلك إلا من يزعم أن إثبات الصفات لله تعالى على ظاهر ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم يلزم منه التجسيم والتشبيه، وهذا الزعم باطل، كما لا يخفى على منصف.
وكذا القول بأن شيخ الإسلام يكفّر باللوازم، ويبيح قتل المخالفين له، وقد بيّن هو نفسه أن لازم القول ليس بلازم، إذا لم يلتزمه صاحبه، فقال: وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ: هَلْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ أَمْ لَيْسَ بِمَذْهَبِ؟
فَالصَّوَابُ: أَنَّ لَازِمَ مَذْهَبَ الْإِنْسَانِ، لَيْسَ بِمَذْهَبِ لَهُ، إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ وَنَفَاهُ، كَانَتْ إضَافَتُهُ إلَيْهِ كَذِبًا عَلَيْهِ ... وَلَوْ كَانَ لَازِمُ الْمَذْهَبِ مَذْهَبًا، لَلَزِمَ تَكْفِيرُ كُلِّ مَنْ قَالَ عَن الِاسْتِوَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ أَنَّهُ مَجَازٌ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ. انتهى من مجموع الفتاوى.
وقال رحمه الله: هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي: أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ، وَتَفْسِيقٍ، وَمَعْصِيَةٍ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية، الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً، وَفَاسِقًا أُخْرَى، وَعَاصِيًا أُخْرَى، وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا: وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ، وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ. انتهى من مجموع الفتوى.
وانظر الفتوى: 313828 في بيان بطلان دعوى نسبة التجسيم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، والفتوى: 120182 في بيان أن إثبات الصفات لا يلزم منه التجسيم، والفتوى: 7022 في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيان فضله، وثناء العلماء عليه.
والله أعلم.