عنوان الفتوى : بيان بطلان دعوى نسبة التجسيم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

هناك الكثير من الناس ينسبون التجسيم لابن تيميه ويقولون بأنه يدافع عن المجسمة ويستدلون على ذلك بالآتي: في كتاب بيان تلبيس الجهمية أولاً: قوله: "ولم يذم أحد من السلف أحدا بأنه مجسم ولا ذم المجسمة" ثانياً: "وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها، أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا، فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال" ثالثاً: "وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر بذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابه والتابعين" رابعاً: "والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية وليست فوقية الرتبة" في كتاب درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول قوله: "فإن قدر أنه ابتدع في ذلك (يقول الرافضي هنا بأنه يقصد أنه ابتدع في إثبات الجسمية) كانت بدعته أخف من بدعة من نفى ذلك نفيا عارض به النصوص" ويقولون أيضاً بأن علماء عصره ومشايخ زمنه ردوا عليه فقال تقي الدين السبكي (فإنه لما أحدث ابن تيميه ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان متسترا بتبعية الكتاب والسنه مظهرا أنه داعٍ إلى الحق هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة، وأن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأنَّ القرآن محدَثٌ تكلَّم اللهُ به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم (والتزامه) بالقول بأنه لا أول للمخلوقات!!، فقال بحوادث لا أول لها فأثبت الصفة القديمة حادثة، والمخلوق الحادث قديماً، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّةٍ من الملل، ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاثة والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة. ويقولون بأنه صرح في فتاويه بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش وجلوس المولى عز وجل معه ونقل عنه الفقهاء قوله بفناء النار. فما هو الصحيح ؟ وشكرا.

مدة قراءة الإجابة : 17 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنفاة صفات الله تعالى الثابتة له في الكتاب والسنة، يستعملون في إثبات مذهبهم شبهات شتى، ومن أكثرها دورانا على ألسنتهم وفي كتبهم: دليل نفي التركيب والتجسيم عن الله تعالى، فيرمون من يثبت هذه الصفات بالتجسيم لكون إثباتها عندهم يستلزم التركيب والتجسيم! وهذا منقوض عليهم بأدلة كثيرة ليس هذا محل ذكرها، وراجعي الفتوى رقم: 173177.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أئمة أهل السنة لهم مسلك رشيد في الألفاظ التي لم يأت في الكتاب والسنة نفيها ولا إثباتها، فإنهم يمتنعون عن إطلاقها على الله تعالى لفظا، وأما معناها فيستفصلون من قائلها، فإن أراد به معنى صحيحاً وافقوه على ذلك المعنى الصحيح، ولم يوافقوه على استعمال ذلك اللفظ، ومن ذلك لفظ التجسيم، فإنه من الألفاظ المحدثة التي لا بد من الاستفصال عن مراد صاحبها قبل الحكم عليها، بخلاف لفظ التمثيل فنفيه ثابت في الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 283111.
وفي ضوء ذلك إذا رجع السائل لسياق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، لعرف أنه حق أبلج، ولنبدأ بالعبارة الأولى، حيث يقول شيخ الإسلام: لفظ «الجسم» و«العرض» و«المتحيز» ونحو ذلك: ألفاظ اصطلاحية، وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك في حق الله، لا بنفي ولا إثبات؛ بل بدعوا أهل الكلام بذلك وذموهم غاية الذم، والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر، ولم يذم أحد من السلف أحدًا بأنه مجسم، ولا ذم المجسمة، وإنما ذموا الجهمية النفاة لذلك وغيره، وذموا أيضًا المشبهة الذين يقولون: صفاته كصفات المخلوقين، ومن أسباب ذمهم للفظ الجسم والعرض ونحو ذلك ما في هذه الألفاظ من الاشتباه ولبس الحق، كما قال الإمام أحمد: «يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم». وإنما النزاع المحقق أن السلف والأئمة آمنوا بأن الله موصوف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، من أن له علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا، ويدين ووجهًا وغير ذلك، والجهمية أنكرت ذلك، من المعتزلة وغيرهم. اهـ.
فأنت ترى أن العبارة المنقولة في السؤال ليس المراد بها إثبات الجسمية لله تعالى، أو نفي الذم عن المجسمة! وإنما المراد أنه لا يصح نفي الصفات الثابتة لله تعالى بكونها تستلزم التجسيم، كما هو مذهب الجهمية ومن وافقهم.

وقريب من ذلك العبارة الثانية وإن كانت ليست من كلام شيخ الإسلام وإنما نسبها للمتكلمين من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة!
وأما العبارة الثالثة فالمراد بها التفريق بين (التمثيل) الذي جاء القرآن بنفيه نصا، ولفظ (التشبيه) الذي يمكن أن يكون بمعنى التمثيل فيُنهى عنه ويذم، ويمكن أن يفسر بمعنى آخر له أصل صحيح، فنثبت الصواب من أصل المعنى، وننفي اللفظ والمعني الخاطئ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 198743، ولفظ كلام شيخ الإسلام بطوله هو: اسم «المشبهة» ليس له ذكر بذم في الكتاب والسنة، ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين؛ ولكن تكلم طائفة من السلف مثل عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ونعيم بن حماد، وغيرهم بذم المشبهة، وبينوا المشبهة الذين ذموهم؛ أنهم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه، فكان ذمهم لما في قولهم من مخالفة الكتاب والسنة، إذ دخلوا في التمثيل، إذ لفظ التشبيه فيه إجمال واشتراك وإيهام، بخلاف لفظ التمثيل الذي دل عليه القرآن. اهـ.
وقد سبق لنا بيان مذهب المجسمة، والفرق بينه وبين المشبهة، وذلك في الفتوى رقم: 128269، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 134190.
وأما العبارة الرابعة فالمراد بها نفي قصر فوقية الله تعالى على فوقية الرتبة، بل هي مع ذلك فوقية حقيقية، فهو العلي الأعلى ذاتا وصفة سبحانه وتعالى، وقد ذكر شيخ الإسلام قبل ذلك حديث: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» ثم قال: والبارئ سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة... فكذلك العلو على العالم، قد يقال: إنه يكون بمجرد الرتبة، كما يقال العالم فوق الجاهل، وعلو الله على العالم ليس بمجرد ذلك، بل هو عال عليه علوًّا حقيقيًّا، وهو العلو المعروف... اهـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 6707.
وأما العبارة التي بعدها فليس المراد بها تصويب مذهب المجسمة، وإنما المراد بها أن الكرامية وأمثالهم ممن غالى في إثبات الصفات كانوا مبتدعة، إلا أن نفاة الصفات التي ثبتت بالكتاب والسنة أحق بوصف الابتداع منهم، وقد كان كلام شيخ الإسلام في سياق الكلام عن رؤية الله تعالى في الآخرة التي نفاها الجهمية ومن وافقهم لكون ذلك يستلزم الجسمية لله تعالى، فقال رحمه الله: يقال لهؤلاء: أنتم لم تنفوا ما نفيتموه بكتاب ولا سنة ولا إجماع، فإن هذه الألفاظ ليس لها وجود في النصوص، بل قولكم: لو رؤي لكان في جهة، وما كان في جهة فهو جسم، وما كان جسم فهو محدث، كلام تدعون أنكم علمتم صحته بالعقل، حينئذ فتطالبون بالدلالة العقلية على هذا النفي، وينظر فيه بنفس العقل، ومن عارضكم من المثبتة أهل الكلام من المرجئة وغيرهم كالكرامية والهشامية وقال لكم: فليكن هذا لازما للرؤية، وليكن هو جسماً، أو قال لكم: أنا أقول إنه جسم، وناظركم على ذلك بالمعقول، وأثبته بالمعقول كما نفيتموه بالمعقول، لم يكن لكم أن تقولوا له: أنت مبتدع في إثبات الجسم! فإنه يقول لكم: وأنتم مبتدعون في نفيه! فالبدعة في نفيه كالبدعة في إثباته، وإن لم تكن أعظم، بل النافي أحق بالبدعة من المثبت، لأن المثبت أثبت ما أثبتته النصوص، وذكر هذا معاضدةً للنصوص، وتأييداً لها، وموافقة لها، ورداً على من خالف موجبها. اهـ.
وأما كلام السبكي وغيره ممن شنع على شيخ الإسلام ابن تيمية، فهو دعاوى بلا حقيقة، وبيان ذلك ما يلي:

ـ فأما القول بالجسمية والتركيب فقد مضى، على أنه قال إن كلام الشيخ (يقتضي) التجسيم والتركيب، وهذا دون الاتهام الصريح بذلك؛ فإن لازم المذهب ليس بمذهب، لا سيما إذا كان صاحبه يبرأ منه.

وكذلك مسألة أن (الافتقار إلى الجزء ليس بمحال) فهي تدور في فلك ما سبق في مسألة التركيب، فإن من جملة أدلة المتكلمين على وحدانية الله تعالى: نفي التركيب، قال شيخ الإسلام في شرح عقيدة الأصبهاني: فلما قرر إثبات الصانع أخذ يثبت وحدانيته، فقال: (والدليل على وحدته أنه لا تركيب فيه بوجه من الوجوه وإلا لما كان واجب الوجود لذاته ضرورة افتقاره إلى ما تركب منه ويلزم من ذلك أن لا يكون من نوعه اثنان؛ إذ لو كان لزم وجود الاثنين بلا امتياز وهو محال)... اهـ.
ثم نبه شيخ الإسلام على أنهم بهذه الحجة نفوا صفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة، وكانوا من أشد الناس تجهما، قال: لأنهم زعموا أن إثبات الصفات ينافي هذا التوحيد، وقد تفطن لفساد هذه الحجة من تفطن لها من الفضلاء. اهـ.
ثم ذكر وجوه هذا الفساد، فكان الوجه الخامس منها أن يقال: لا ريب أن يمتنع أن يكون شيئان كل منها علة للآخر؛ لأن العلة متقدمة على المعلول فلو كان علة لعلته للزم تقدمه على نفسه لكونه علة العلة وتأخره عن نفسه لكونه معلول العلة، وذلك جمع بين النقيضين ولهذا كان الدور القبلي محالا، ولا يمتنع أن يكون شيئان كل منهما شرط في الآخر؛ لأن ذلك إنما يستلزم أن يكون كل منهما مع الآخر، وليس ذلك يمتنع، ولهذا قيل: الدور المعي ليس بمحال، فالمركب غايته أن يكون كل من أجزائه مشروطا بالجزء الآخر وأن يكون هو مشروطا بأجزائه، ولا يقتضي التركيب وجود جزء قبل جزء ولا وجود جزء قبل أجزائه، فإذا قيل: إنه مفتقر إلى جزئه، كان معناه لا يوجد إلا بوجود جزئه معه، ويستلزم ذلك وجود جزئه، ثم ذلك الجزء ليس هو علة له ولا هو خارجا عن نفسه، فالقول بأن وجوده يستلزم وجود الجزء حق، والتعبير عن ذلك بأنه يقتضي أن يكون مفتقرا إلى جزئه، وجزؤه غيره ليس له معنى إلا ذلك، وهذا لا يقتضي أنه مفتقر إلى علة ومحتاج إلى علة، ولا شرط خارج عن واجب الوجود ولا دور قبلي، وأما ما فيه من الدور المعي فليس ذلك بمحال، ولا ينافي وجوب الوجود إلا أن يثبت أن مثل هذا التعدد ينافي وجوب الوجود، وهم لم يثبتوا أن التعدد ينافي وجوب الوجود إلا بهذا، فبطل أن يكون هذا دليلا على بطلان التعدد في وجوب الوجود اهـ.
فهذا المعنى هو ما عبروا عنه بقولهم تشنيعا عليه: (الافتقار إلى الجزء ليس بمحال)، وأما مراد شيخ الإسلام فظاهر من كلامه، فمعنى الافتقار إلى جزئه: أنه لا يوجد إلا بوجود جزئه معه، ويستلزم ذلك وجود جزئه،
وفي الإطار نفسه (أي نفي التركيب) رماه من رماه بالقول (بحلول الحوادث بذات الله تعالى) يعنون بذلك الصفات الاختيارية الثابتة لله تعالى كالمحبة والبغض والرضا والغضب، حيث يعتقدون أن إثباتها لله يستلزم حلول الحوادث بذاته، قال شيخ الإسلام: الجهمية والمعتزلة بنوا على أصلهم: أن الرب لا يقوم به صفة؛ لأن ذلك بزعمهم يستلزم التجسيم والتشبيه الممتنع؛ إذ الصفة عرض والعرض لا يقوم إلا بجسم. والكلابية يقولون: هو متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة ولا تكون بمشيئته؛ فأما ما يكون بمشيئته فإنه حادث والرب تعالى لا تقوم به الحوادث، ويسمون الصفات الاختيارية بمسألة حلول الحوادث. اهـ.
والحقيقة أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يزد في إثبات هذه الصفات على مذهب أئمة الدين، ومقتضى أدلة الكتاب والسنة، وخلاصة عقيدته هي الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفي عنه ما وصف به نفسه ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يلحد في أسماء الله وآياته، ولا يكيف ولا يمثل صفاته بصفات خلقه، وراجع في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 197971، 288277.
وفي هذا الفلك أيضا يدور قولهم: (القرآن محدَثٌ تكلَّم اللهُ به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات) فأصل الخلاف في إثبات صفات الله تعالى بغير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل. قال شيخ الإسلام: الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه هو حديث، وهو أحسن الحديث، وليس بمخلوق باتفاقهم، ويسمى حديثًا وحادثًا، وهل يسمى محدثًا ؟ على قولين لهم... اهـ. وراجع في تفصيل الفتويين التالية أرقامهما: 134338، 54133.
وأما القول بتسلسل الحوادث الذي يقول به شيخ الإسلام فهو في الأنواع لا في الأعيان والأفراد، وقد سبق لنا بيان أنه لا ترابط بين القول بحوادث لا أول لأنواعها، وبين القول بقدم العالم! بخلاف القول بحوادث لا أول لأعيانها، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 135105، 190051، 190011.
وأما قولهم: (صرح في فتاويه بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش، وجلوس المولى عز وجل معه) فليس بصحيح، بل نقل ذلك عمن سبقه من أهل العلم في تلقيهم تفسير مجاهد لقوله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا {الإسراء:79}، قال شيخ الإسلام: حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه، روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد؛ في تفسير: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة، قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه، لا يقول: إن إجلاسه على العرش منكر ـ وإنما أنكره بعض الجهمية ـ ولا ذكره في تفسير الآية منكر. اهـ.
وهذا في الحقيقة اختصار لمعنى كلام شيخ المفسرين ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ فقد أطال في تقرير ذلك جدا، فراجع ذلك في تفسيره.
وتفسير مجاهد هذا قد نقله كثير من أئمة السلف ولم ينكروه، وبوبوا عليه في كتب العقائد، كما فعل الخلال في كتاب (السنة) والآجري في (الشريعة). وقال ابن القيم في (بدائع الفوائد): قال القاضي: "صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه إقعاده على العرش" قال القاضي: "وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبى بكر بن حماد وأبى جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهوية وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهإني وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب بن العابد وأبي بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبى قلابة وعلي بن سهل وأبى عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ومحمد بن يونس البصري وعبد الله ابن الإمام والمروزي وبشر الحافي". انتهى. قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني. اهـ.
والمقصود أن هذا القول منقول عن بعض السلف، نقله شيخ الإسلام وغيره، وأما مذهب شيخ الإسلام فيؤخذ من قوله هو، وقد قال رحمه الله في (درء تعارض العقل والنقل) بعد أن نقل تفسير مجاهد هذا: وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توقيفاً، لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ثبت من كلام غيره، سواء كان من المقبول أو المردود... والمقصود هنا أن ما لم يكن ثابتاً عن الرسول، صلى الله عليه وسلم لا نحتاج أن ندخله في هذا الباب، سواء احتيج إلى تأويل أو لم يحتج. اهـ.
وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 135889، 243784، 41473 .
وأما القول بفناء النار فقد سبق أن بينا أنه لا تصح نسبته إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، فراجع الفتوى رقم: 64739.
ولمزيد الفائدة يمكن الرجوع لكتاب الدكتور عبد الله الغصن (دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية) في فصل (دعوى التجسيم والتشبيه) وفصل: (دعوى القول بقدم العالم) و(مسألة دوام النار). وقد قام كثير من أهل العلم بتفنيد الأباطيل التي ينسبها خصوم ابن تيمية له، كابن عبد الهادي، وابن ناصر الدين الدمشقي والآلوسي وغيرهم .

والله أعلم.