عنوان الفتوى : إنكار المنكر عند انتشاره وغلبة الظن بعدم القبول
السؤال
أشكر جميع القائمين على الموقع على جهودهم.
أنا أعيش في النرويج، وتكثر هنا الأوراق من البريد، أو من جهات أخرى، وهناك ناس كثيرون اسمهم: abdallah، abdirahman، وأسماء أخرى فيها اسم من أسماء الله، والناس ترمي هذه الأوراق في الزبالة، ولا يعلمون حكمها، ولا أدري ماذا أفعل، وهذا الشيء يقهرني، وتوجد محلات تركية يبيعون البقلاوة، وفي كرتون البقلاوة يوجد علم السعودية، وتوجد كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله"، وبعد ذلك ترمى الكراتين.
حاولت أن أراسل محلًّا واحدًا رأى رسالتي، فلم يرد عليّ؛ فهل يجب عليّ أن أكلّم باقي المحلات أم ماذا؟ وهل عليّ إثم إن تركتهم، واكتفيت بحالي؟ فأنا أظن أحيانًا أن نصحي للمحلات لا ينفع، وأنا شخص أستحي من أن أكلم الناس، وأريد حلًّا؛ لأن هذا كثير في النرويج، والناس جاهلة به، وأنا متضايق كثيرًا من هذا الشيء، وكل تفكيري فيه. أنتظر منكم الإجابة -جزاكم الله خيرًا-
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب احترام المكتوب فيه ما هو معظم في الشرع -كأسماء الله-، ولو كان بغير اللغة العربية، ولا يجوز كتابتها على الأكياس ونحوها مما هو مظنة الامتهان، وراجع في هذا الفتويين: 107033، 97889.
واما الإنكار على من يفعل ذلك: فاعلم أن إنكار المنكر فرض على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وقد يتعين في مواضع، قال النووي -في شرح حديث: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» الذي أخرجه مسلم-: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- (فليغيره)، فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، وهو أيضًا من النصيحة التي هي الدِّين، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يعتد بخلافهم، كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين: لا يكترث بخلافهم في هذا، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء ...
ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر، ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو؛ كمن يرى زوجته، أو ولده، أو غلامه على منكر، أو تقصير في المعروف. اهـ. من شرح صحيح مسلم.
ومما يسقط الوجوب وقوع الحرج والمشقة البالغة بالإنكار بسبب شيوع المنكر، وكثرة فاعليه، كما سبق أن بيناه في الفتوى: 403024.
وأما ظن الناصح بعدم قبول نصحه: فقد اختلف العلماء فيه هل يسقط وجوب الإنكار أم لا يسقطه؟
والمشهور عند العلماء أنه لا يسقط الوجوب، جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: قال القاضي أبو يعلى في كتاب المعتمد: ويجب إنكار المنكر، وإن لم يغلب في ظنه زواله في إحدى الروايتين، نقلها أبو الحارث، وقد سأله عن الرجل يرى منكرًا، ويعلم أنه لا يقبل منه ويسكت، فقال: إذا رأى المنكر، فليغيره ما أمكنه. وهو الذي ذكره أبو زكريا النووي عن العلماء قال: كما قال تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ} [المائدة:99].
وفيه رواية أخرى: لا يجب حتى يعلم زواله. نقلها حنبل عن أحمد فيمن يرى رجلًا يصلي لا يتم الركوع والسجود، ولا يقيم أمر صلاته، فإن كان يظن أنه يقبل منه، أمره ووعظه حتى يحسن صلاته. ونقل إسحاق بن هانئ: إذا صلى خلف من يقرأ بقراءة حمزة، فإن كان يقبل منك، فانهه.
وذكر في كتاب الأمر بالمعروف وابنه أبو الحسين: هل من شرط إنكار المنكر غلبة الظن في إزالة المنكر؟ على روايتين: (إحداهما): ليس من شرطه؛ لظاهر الأدلة. (والثانية): من شرطه، وهي قول المتكلمين؛ لبطلان الغرض، وكذا ذكرهما القاضي فيما إذا غلب على الظن أن صاحب المنكر يزيد في المنكر.
وقال ابن عقيل: إذا غلب على ظنه أنه لا يزول، فروايتان: (إحداهما): يجب، ثم ذكر رواية حنبل السابقة، وقال في رواية أخرى في الرجل يرى منكرًا، ويعلم أنه لا يقبل منه: هل يسكت؟ فقال: يغير ما أمكنه. وظاهره أنه لم يسقط. وقال أيضًا: لا يجوز. انتهى كلامه.
وقال في نهاية المبتدئين: وإنما يلزم الإنكار إذا علم حصول المقصود، ولم يقم به غيره. وعنه: إذا رجا حصوله. وهو الذي ذكره ابن الجوزي. وقيل: ينكره، وإن أيس من زواله، أو خاف أذى، أو فتنة. وقال في نهاية المبتدئين: يجوز الإنكار فيما لا يرجى زواله. اهـ.
وعلى كل حال؛ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فناصح أصحاب تلك المحلات بقدر طاقتك، ما لم تؤد إلى مشقة بالغة.
ويمكنك استعمال التقنية الحديثة، كالرسائل البريدية، أو رسائل الجوال عبر التطبيقات، أو غيرها، فتكتب نصيحة وتذكرة مختصرة بحرمة ذلك الصنيع، وترسلها إلى عنوانين بريد، أو أرقام القائمين على تلك المحلات، فتكسب أجر النصح، وإنكار المنكر، وتبرأ ذمتك من تبعة ترك الإنكار، إن كان متعينًا عليك.
والله أعلم.