أرشيف المقالات

وجوب الدعوة إلى التوحيد - محمد بن عبد الوهاب

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين.
 

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
خصوصًا، محمد بن عبيد، وعبد القادر العديلي وابنه، وعبد الله بن سحيم، وعبد الله بن عضيب، وحميدان بن تركي، وعلي بن زامل، ومحمد أبا الخيل، وصالح بن عبد الله.

أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلينا على حين فترة من الرسل، فهدى الله به إلى الدين الكامل والشرع التام.

وأعظم ذلك وأكبره وزبدته هو: إخلاص الدين لله بعبادته وحده لا شريك له.
والنهي عن الشرك، وهو أن لا يدعى أحد من دونه مِن الملائكة والنَّبيين -فضلًا عن غيرهم- فمن ذلك، أن لا يسجد إلا لله، ولا يركع إلا له، ولا يدعى لكشف الضر إلا هو، ولا لجلب الخير إلا هو، ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به، ولا يذبح إلا له، وجميع العبادة لا تصلح إلا له وحده لا شريك له.

وهذا معنى قول: (لا إله إلا الله)، فإن المألوه هو المقصود المعتمد عليه، وهذا أمر هين عند من لا يعرفه، كبير عظيم عند من عرفه، فمن عرف هذه المسألة: عرف أن أكثر الخلق قد لعب بهم الشيطان ، وزين لهم الشرك بالله، وأخرجه في قالب، حب الصالحين، وتعظيمهم.

والكلام في هذا ينبني على قاعدتين عظيمتين:
الأولى: أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرفون الله ويعظمونه ويحجون ويعتمرون، ويزعمون أنهم على دين إبراهيم الخليل، وأنهم يشهدون أنه لا يخلق ويرزق، ولا يدبر إلا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [يونس:31].

فإذا عرفت أن الكفار يشهدون بهذا كله فاعرف القاعدة الثانية، وهي: أنهم يدعون الصالحين مثل: الملائكة، وعيسى، وعزير، وغيرهم، وكل من ينتسب إلى شيء من هؤلاء سماه إلهًا، ولا يعني بذلك أنه يخلق أو يرزق، بل يقولون: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس من الآية:18].
ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر من الآية:3].

والإله في لغتهم هو الذي يسمى في لغتنا (فيه السر) والذي يسمونه الفقراء (شيخهم) يعنون بذلك أنه يدعى وينفع ويضر، وإلا فهم مقرون لله بالتفرد بالخلق والرزق، وليس ذلك معنى الإله، بل الإله المقصود: المدعو المرجو
لكن المشركين في زماننا أضل من الكفار، الذين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين
أحدهما: أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأما في الشدائد، فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:67].

والثاني: أن مشركي زماننا يدعون أناسَاً لا يوازنون: عيسى والملائكة!

إذا عرفتم هذا، فلا يخفي عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر عبادة الأصنام.
- هذا يأتي إلى قبر نبي.
وهذا إلى قبر صحابي -كالزبير وطلحة-.
- وهذا إلى قبر رجل صالح.
- وهذا يدعوه في الضراء وفي غيبته.
- وهذا ينذر له.
- وهذا يذبح للجن، وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا والأخرة.
- وهذا يسأله خير الدنيا والأخرة.

فإن كنتم تعرفون أن هذا الشرك، من جنس عبادة الأصنام، الذي يخرج الرجل من الإسلام، وقد ملأ البر والبحر وشاع  ذاع، حتى إن كثيرًا ممن يفعله يقوم الليل ويصوم النهار، وينتسب إلى الصلاح والعبادة، فما بالكم لم تفشوه في الناس؟ وتبينوا لهم أن هذا كفر بالله مخرج عن الإسلام؟

أرأيتم لو أن بعض الناس، أو أهل بلدة، تزوجوا أخواتهم أو عماتهم -جهلًا منهم- أفيحل لمن يؤمن بالله واليوم الأخر أن يتركهم؟ لا يعلمهم أن الله حرم الأخوات والعمات؟

فإن كنتم تعتقدون أن نكاحهن أعظم مما يفعله الناس اليوم، عند قبور الأولياء والصحابة وفي غيبتهم عنها، فاعلموا: أنكم لم تعرفوا دين الإسلام، ولا شهادة أن لا إله إلا الله، ودليل هذا مما تقدم من الآيات التي بينها الله في كتابه!

وإن عرفتم ذلك، فكيف يحل لكم كتمان ذلك والإعراض عنه؟ {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187].
فإن كان الاستدلال بالقرأن عندكم هزوًا وجهلًا ، كما هي عادتكم ولا تقبلونه، فانظروا في (الإقناع / في باب حكم المرتد)، وما ذكر فيه من الأمور الهائلة، التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها، فقد ارتد وحل دمه - مثل الاعتقاد في الأنبياء والصالحين جعلهم وسائط بينه  بين الله، ومثل الطيران في الهوى، والمشي في الماء.
-

فإذا كان من فعل هذه الأمور منكم  مثل السائح الأعرج ونحوه  تعتقدون صلاحه وولايته وقد صرح في الإقناع بكفره فاعلموا أنكم لم تعرفوا معنى شهادة (أن لا إله إلا الله).

فإن بان في كلامي هذا شيء من الغلو، من أن هذه الأفاعيل، لو كانت حرامًاً فلا تخرج من الإسلام، وأن فعل أهل زماننا في الشدائد في البر والبحر وعند قبور الأنبياء والصالحين، ليس من هذه، بينوا لنا الصواب وأرشدونا إليه.

وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال، فرحم الله من أدى الواجب الذي عليه، وتاب إلى الله، وأقر على نفسه، فإن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له

وعسى الله أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يجب ويرضى
والسلام

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢