عنوان الفتوى : تصرف الأمانة حسب ما حدد المتبرع
السؤال
لقد توفي والدي -عليه رحمه الله- وكان قد حدثنا قبل وفاته بسنوات عن شخص قام بعمل حساب له في بنك إسلامي، ووضع في الحساب أموالا لكي تصرف في أوجه البر.
وبعد وفاة الوالد توصلنا إلى هذا الحساب، وبعد البحث توصلنا إلى الشخص الذي يقوم بإيداع الأموال، ولكنه رفض تماما أن يأخذ هذه النقود. وقال إنها أمانة تحملها الوالد، ويجب أن نتحمل نحن المسؤولية. ويشترط في هذا المال أن يصرف في مجال تحفيظ القرآن الكريم، ولكن هذا الشخص صعب جدا في رأيه وتفكيره، فهو يرفض أخذ المال.
وقد سألت أحد الأصدقاء عن مكان لتحفيظ القرآن؛ لكي أقوم بإنفاق المبلغ فيه، وهو أي صديقي دلني على مدرسة تبنى لتحفيظ القرآن.
اتصلت بصاحب والدي، ورفض الفكرة تماما. وعثرت له -حفظكم الله- على مكان للوضوء في مسجد يريد تبرعات، ورفض. وعثرت له على مشروع في قرية لتوزيع المياه ورفض. هو يريد فقط مكانا لتحفيظ القرآن، وخصوصاً السور الصغيرة فقط، ويكون عملا دائما كصدقة جارية. ولا يكون لحفظ القرآن وتجويده. ويعلل هذا بأن الناس تقوم بقراءة قصار السور ولا تنساها بعد حفظها، وتتلوها في كل صلاة.
احتفظت بالمال، ولكني مررت بضائقة مالية في السيولة المالية، ومع ذلك فأنا ميسور بفضل الله حتى إني أعرض أحد ممتلكاتي العقارية للبيع ولكن لم أوفق في البيع إلى الآن؛ فأخذت شيئا من هذه النقود، على سبيل السلف، وأن هذا المال في ذمتي أمام الله. وكتبت هذا في ورقه للتذكير لأنه لا أحد يضمن الحياة والموت.
فهل هذا يجوز؟
يأتيني أول كل شهر إيجار لعقار لي، يحول على حساب لي بالبنك. فهل إذا أخذت من هذه النقود، وتركت هذا المبلغ الذي يحول لي في حساب وآخذ عليه أرباحا. فهل هذا يجوز، مع العلم أن حسابي ببنك إسلامي، ولا نقود فيه، إلا ما يحول لي في أول كل شهر كإيجار، وأقوم بسحبه ويفرض علي البنك رسوما؛ لأن الحساب لا نقود فيه، ولكن لو تركت مبلغ الإيجار ولم أسحبه، لن يفرض علي البنك هذه الرسوم، وسأستفيد كثيرا من هذا. وأنا أعرف أن صاحب الوالد لن يقبل، أو يطلب أخذ الفلوس، وإنما يريد العمل الذي وكلني به، والذي هو صعب وليس متوفرا أمامي حاليا.
وآسف على الإطالة.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الأخذ من تلك الأمانة إلا بإذن من صاحبها، وكونك موسرا لا يبيح لك التصرف فيها.
فاستغفر الله تعالى مما فعلت، وبادر إلى رد ما سحبته إلى الحساب، حتى تجد المصرف المحدد وفق ما نص المتبرع عليه؛ لتصرف فيه تلك الأمانة، أو تبقى في الحساب كما هي. وأي تصرف آخر بغير ذلك، لا بد من الرجوع فيه إلى صاحبها واستئذانه: فإن أذن فلا حرج، وإلا فلا؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27}.
وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم خيانة الأمانة صفة من صفات المنافقين، حين قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان. رواه البخاري ومسلم.
وأما قول صاحب المال: "إنها أمانة تحملها الوالد، ويجب أن نتحمل نحن المسؤولية" فهذا غير صحيح، بل لكم رد المال إليه؛ لأن ما كان بينه وبين الأب وكالة.
جاء في الموسوعة الفقهية: الوكالة عرّفها الشافعية بأنها: "تفويض شخص ما له فعله، مما يقبل النيابة، إلى غيره؛ ليفعله في حياته.
والوكالة تبطل بموت الوكيل اتفاقا.
جاء في الموسوعة الفقهية: تبطل الوكالة بموت الموكل أو الوكيل باتفاق الفقهاء؛ وذلك لأن الموت مبطل لأهلية التصرف، فإذا مات الموكل أو الوكيل بطلت أهليته بالموت، فتبطل الوكالة. اهـ.
وبناء عليه، فلكم رد المال إليه، ولا يلحق المتوفى بذلك إثم أو تبعة. ولكم قبول الوكالة عن صاحب المال، وصرفه في الأوجه التي قررها.
والله أعلم.