عنوان الفتوى : حكم القراءة في مصحف مملوك للغير
أستعمل مصحفاً للقراءة والحفظ، وعندما سألت والدي عن مصدر هذا المصحف قال لي: إنه يعود لجارنا في قريتنا، فعندما غادر أهل القرية القرية بسبب الحرب في بلادي، وكان هناك احتمال كبير أن يسيطر على القرية من يدنس المصاحف بالنجاسات، فجمع والدي مصاحف الحي، ووزعها لاحقاً على الناس، ومنها هذا المصحف. فهل أستمر في استعماله، أم هناك تصرف آخر؟
حفظكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام مالك المصحف معروفًا؛ فينبغي التواصل معه والاستئذان منه، وإخباره أن المصحف موجود عندكم.
وأما عن استمرارك في استعماله، فلا نرى حرجًا فيه، إذ يغلب على الظن أنه لا يمنع من ذلك.
ولأن بعض أهل العلم صرحوا بجواز الاستفادة من الكتب بدون إذن أصحابها، ومنع من ذلك بعضهم، وكرهه بعضهم.
ويدل للمنع ما جاء من الوعيد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه، فإنما ينظر في النار. رواه أبو داود، ولكنه حديث ضعيف كما قال أبو داود: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب، كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضًا.. اهـ.
وقال ابن الأثير في النهاية: هذا محمول على الكتاب الذي فيه سر وأمانة يكره صاحبه أن يطلع عليه. قال: وقيل: هو عام في كل كتاب. اهـ.
وقال البغوي في شرح السنة: هو في الكتاب الذي فيه أمانة أو سر بين الكاتب والمكتوب إليه لا ريبة فيه، ولا ضرر بأحد من أهل الإسلام.
أما كتب العلم، فقد قيل: يجوز النظر فيه بغير إذن صاحبه؛ لأن العلم لا يحل منعه، ولا يجوز كتمانه. وقيل: لا يجوز؛ لظاهر الحديث، ولأن صاحب الشيء أولى بمنفعة ملكه، وإنما يأثم بكتمان العلم الذي سئل عنه، فأما منع الكتاب عن غيره، فلا إثم فيه. اهـ.
وقال ابن مفلح في الآداب: فَصْلٌ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، أَوْ رِضَاهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: كَرَاهِيَةُ النَّظَرِ فِي كِتَابِ الرَّجُلِ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَسْكَرٍ: كُنْت عِنْد أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَعِنْدَهُ الْهَيْثَمُ بْن خَارِجَةُ، فَذَهَبْت أَنْظُرُ فِي كِتَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَكَرِهَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أَنْ أَنْظُرَ فِي كِتَابِهِ. وَاطَّلَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ فِي كِتَابِ أَبِي عَوَانَةَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مَرَّتَيْنِ.
ثم قال بعد كلام: وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النَّظَرَ فِي كِتَابِ الْغَيْرِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ، لَا يَحْرُمُ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ». انتهى.
والله أعلم.