عنوان الفتوى : حكم من دفع زكاته لابن سبيل ثم شك في استحقاقه وأعطاه أكثر مما يكفيه
السؤال
التقيت يوما برجل تبدو عليه آثار اليُسر (كان يرتدي بذلة رسمية ومحفظة) يسأل عن سوق ليبيع ساعته أو خاتمه؛ لأنه احتاج إلى النقود. لأنه من مكان بعيد، وقد ألغيت رحلته بالطائرة، ولم تعد معه نقود.
ظهرت عليه ملامح القلق والارتباك، فقلت هذا عابر سبيل. قلت له: كم من المال تحتاج؟ وأعطيته أكثر مما طلب (من أموال الزكاة، بدون أن يعلم أنها زكاة) فقال لي: سأرجعها لك عند وصولي، قلت له: لا.
عند ذهابه فكرت: كيف لرجل ذي منصب عال مثله على حسب قوله، لا يحمل معه بطاقة بنكية! وكيف لم يخطر في باله أن يسحب من أحد حساباته التي فيها الملايين على حد قوله، فهو حتى إن لم يحمل شيكا، يستطيع السحب ببطاقة الهوية فقط. وكيف طلب رقم هاتفي ولم يعطني رقمه! أيضا عندما سألته كم يريد طلب مبلغا أكبر من ثمن الرحلة بكثير، ورغم أنه تكلم كثيرا عن عمله ونسبه، فقد شككت في أمره، وظننته محتالا.
فهل الشك في أنه محتال يوجب علي إعادة إخراج الزكاة؟ وما حكم الأموال الزائدة عن ثمن الرحلة، أو الزائدة عما طلب. هل تدخل في الزكاة أم لا؟
أيضا أريد أن أستفسر عن أموال أطالب بها أشخاصا. هم يقرون بها، ولكن منذ سنوات يماطلون في إعادتها، بحجة أنهم اشتروا أراضي وليست لديهم السيولة الكافية لإرجاعها في الحين؟
وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن غلب على ظنك حين دفع الزكاة إلى ذلك الرجل أنه من أهلها، ثم طرأ عليك الشك بعد دفع الزكاة له أنه ليس من أهلها، لم تطالب بإخراج الزكاة ثانية، إلا إذا تحققت أنه ليس من أهلها، وانظر الفتوى: 114612 عمن دفع زكاته لمن يظنه مستحقاً ثم شك في استحقاقه.
وأما إن حصل عند الشك قبل أن تدفع إليه الزكاة، فلا يجزئ دفع الزكاة مع الشك في استحقاق الآخذ هل هو من أهل الزكاة أم لا؟ بل لا بد من اليقين، أو غلبة الظن بأنه من مصارفها.
قال البهوتي -الحنبلي- في كشاف القناع: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَّا لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَاحْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ؛ لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ، وَالظَّنُّ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ؛ لِتَعَذُّرِ، أَوْ عُسْرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ مِنْ أَهْلِهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: إِذَا دَفَعَ الْمُزَكِّي الزَّكَاةَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي أَنَّ مَنْ دُفِعَتْ إِلَيْهِ مَصْرِفٌ مِنْ مَصَارِفِهَا، وَلَمْ يَتَحَرَّ، أَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ، فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ. اهــ.
ثم إن ابن السبيل لا يعطى زائدا على ما يحتاجه في الوصول إلى بلده.
جاء في الموسوعة الفقهية: وَلاَ يُعْطَى أَهْل هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَكْفِيهِ لِلرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ قَاصِدًا بَلَدًا آخَرَ يُعْطَى مَا يُوصِلُهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَى بَلَدِهِ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنْ جَلَسَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنَ الزَّكَاةِ، نُزِعَتْ مِنْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا بِبَلَدِهِ، وَإِنْ فَضَل مَعَهُ فَضْلٌ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى بَلَدِهِ، نُزِعَ مِنْهُ عَلَى قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. اهــ.
وأما الأموال التي لك على الناس: إن كنت تسأل عن كيفية زكاتها، فانظر لها الفتوى: 304195، والفتوى: 348592.
والله أعلم.