عنوان الفتوى : هجر القريبة المؤذية والدعاء عليها
أنا فتاة عانيت من ابنة خالتي كثيراً وصبرت سنين عديدة على أذاها وعاملتها معاملة الأخت حتى إنها إذا مرضت أذهب إليها وأقوم بخدمتها مع أبنائها، وزاد أذاها حتى وصل إلى حد لا يطاق، فأكثر من مرة توقع الفتنة بيني وبين أمي، دعوت عليها بدعوة معينة إن كنت مظلومة أن يجيبها الله، وفعلا لم تخطئ دعوتي، فقطعتها نهائيا، فلا زيارة ولا اتصال سوى السلام إن تقابلنا في أي مكان، فهل علي إثم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبنت الخالة قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنها من الأرحام الواجب صلتها، ولكن الأصحّ من أقوالهم أن صلتها لا تجب، وقد حررنا خلافهم في الفتوى رقم: 11449.
ولكنّ صلتها مستحبة لعموم أدلة الأمر بصلة الأرحام والنهي عن قطعها وخروجا من خلاف من أوجب ذلك، ولا يُسقط هذا الاستحباب أو الوجوب ـ على القول به ـ إساءتها وظلمها، ما دامت صلتها ممكنة بالسلام والدعاء والهدية وغيرها مما لا يستلزم أذيتها، كما أوضحناه في الفتويين رقم: 196331، ولاقم: 136334.
علما بأن الصبر على أذاها فيه من الخير والأجر ما أوضحناه في الفتوى رقم: 2352.
ثم قول السائلة: فقطعتها نهائيا... فهذا من الهجر، فإن كان هذا الهجر لاتقاء شرها وأذاها، فهو هجر جائز، كما نقل عليه الإجماع الحافظ ابن عبد البر في الفتوى رقم: 206866.
وأما هجر المسلمة للمسلمة بغير مسوغ شرعي: فلا يجوز في شرع الله فوق ثلاثة أيام، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 25074.
وراجعي أيضا الفتوى رقم: 218326.
فإذا أمنت جانبها، فإنه يحرم هجرها وتثبت لها حقوق المسلمة على أختها، وراجعي في الحقوق المطلوبة نحو المسلم بعامة الفتوى رقم: 79161.
فإذا فرطّت الأخت في شيء من حقوق أختها المسلمة الواجبة عليها دون عذر أثمت.
وفي خصوص الدعاء عليها فليس من شك في أن العفو عن بنت الخالة أولى من الدعاء عليها، فإن الله يحب العفو والعافين عن الناس، ومع ذلك فدعاء المظلوم على من ظلمه جائز بشرط أن يكون بقدر ما ظلمه لا أكثر من ذلك، فإن كنت دعوت عليها بأكثر مما ظلمتك، فهذا من الظلم الموجب للإثم والمانع من الإجابة، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 242896.
وفي هذه الحالة فعليك المبادرة بالتوبة إلى الله واستحلال بنت الخالة من دعائك الجائر ما لم يسئها ذلك، فإن أساءها فعليك بالإكثار من الدعاء لها والإحسان إليها دون إخبارها بدعائك عليها، فقد ذكر الإمام الغزالي في الإحياء أنه لا يجب الإخبار إذا كان المستَحلّ يتأذى به، ونقل عن جملة من علماء السلف أنه لا يجوز إبلاغه في هذه الحال، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 242692.
والله أعلم.