عنوان الفتوى : تصرفه عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزو قوم
هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد غزو قوم يرسل من يسمع هل يرفعون الأذان أم لا؟هل يوجد شيء من هذا القبيل؟!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً لم يغر عليهم حتى يصبح وينتظر، فإن سمع الأذان كف عنهم وإلا أغار عليهم.
وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع النداء كف عنهم، وإن لم يسمع النداء أغار عليهم....
وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار.......
ومن هذه الأحاديث وما أشبهها أخذ المالكية بوجوب الأذان في كل قرية وسنيته في كل مسجد، يقول الشيخ الشيباني الشنقيطي في كتابه تبيين المسالك: قال الإمام مالك في الموطأ: وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة، قال الباجي: وحمل لفظ مالك على ظاهره أولى عندي، وأن الأذان واجب وليس بشرط في صحة الصلاة، ولو أن أهل مصر تركوا الأذان لأثموا بذلك، ولوجب جبرهم عليه، وأخذهم به.... وقال عياض: والمشهور أن الأذان فرض كفاية على أهل المصر لأنه شعار أهل الإسلام، فقد كان صلى الله عليه وسلم إن لم يسمع الأذان أغار وإلا أمسك.
وقال أبو عمر بن عبد البر: ولا اعلم خلافاً في وجوب الأذان جملة على أهل الأمصار لأنه من العلامة الدالة المفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر....
ثم قال: وقال أبو حنيفة إنه سنة للصلوات الخمس والجمعة، وقال أحمد إنه فرض كفاية، وللشافعي قولان: أحدهما أنه سنة، والآخر أنه فرض كفاية.
ولا تعارض بين هذه الأحاديث وبين ما جاء في صحيح مسلم وغيره عن عائشة وعن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله.... اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا..... وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم......
هذا الحديث وما في معناه يدل على أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن يبدأ قوماً بالقتال حتى يخيرهم بين هذه الأمور الثلاثة، وأن من بدأهم بالقتال كانت الدعوة قد بلغتهم قبل ذلك ورفضوها. وهذا ما ذهب إليه مالك ومن معه من أهل العلم، قال الشيباني في تبيين المسالك على مذهب الإمام مالك: وقبل البدء في قتال الكفار يدعو إلى الإسلام ولم لم تبلغهم الدعوة على المشهور، فإن أبوا دعوا لدفع الجزية، فإن لم يجيبوا قوتلوا....
ثم قال: ومقابل المشهور أن وجوب الدعوة خاص بمن لم تبلغهم، وبه قال الثلاثة، ودليل مشهور المذهب ما في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية.. الحديث.
وما رواه أحمد من حديث ابن عباس: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً حتى يدعوهم.
ثم قال: ومذهب إمامنا مالك أن الجزية تؤخذ من جميع أهل الشرك وعبدة الأوثان والنار وأهل الجحود مثل ما تؤخذ من أهل الكتاب.
وهذا ما درج عليه صاحب الرسالة حيث يقول: ناظمها في شأن من تؤخذ منهم الجزية:
ومن مجوس ونصارى العرب === لا من قريش لمكانة النبي .
قال الباجي في المنتقى: وأما عبدة الأوثان وغيرهم ممن ليس بأهل الكتاب فإنهم يقرون على الجزية.
واستدل مالك بحديث عائشة المتقدم عند مسلم وفيه أمره صلى الله عليه وسلم لكل من أمر أن يدعو إلى الإسلام، ثم إلى دفع الجزية، بدون أن يفرق بين مشرك وكتابي، قاله في تبيين المسالك، ثم قال: وقال الشافعي: لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب، وقال أبو حنيفة وأحمد: تؤخذ من أهل الكتاب والمجوس.
وبهذا يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزو قوم دعاهم إلى الإسلام أولاً فإن أجابوا كف عنهم، وإلا دعاهم إلى الجزية فإن أجابوا كف عنهم، وإلا قاتلهم مستعينا بالله تعالى.
والله أعلم.