التتار من البداية إلى عين جالوت - (1) أوجه التشابه بين الأحداث أيام التتار والأحداث التي نعيشها
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
بين أيدينا حدث من الأحداث الهامة جداً في تاريخ المسلمين، بل وفي تاريخ الأرض بصفة عامة، وهو حدث ظهور قوة جديدة رهيبة على سطح الأرض في القرن السابع الهجري، وقد أدى ظهور هذه القوة إلى تغييرات هائلة في الدنيا بصفة عامة، وفي أرض الإسلام بصفة خاصة، تلك القوة هي دولة التتار.والقصة عجيبة بكل المقاييس، ولولا أنها موثقة في كل المصادر، وبصورة تكاد تكون متطابقة أحياناً، لقلنا: إنها خيال، بل وأغرب من الخيال؛ لأن التغيير فيها من ضعف إلى قوة ومن قوة إلى ضعف لم يأخذ إلا وقتاً يسيراً جداً، فما هي إلا أعوام قليلة ويغير الله عز وجل من حال إلى حال، ويعز الله عز وجل دولة ويذل أخرى، ثم تمر أعوام أخرى قليلة جداً في عرف الناس والتاريخ، فيذل الله عز وجل الأولى ويعز الأخرى، وهكذا يعز الله من يشاء ويذل من يشاء، بيده الملك، وهو على كل شيء قدير.
والقصة عجيبة للمبالغة الشديدة في أحداثها، ففيها مبالغة في الأرقام، وأعداد القتلى، والجيوش، والخيانات وغيرها من الأحداث.
والقصة عجيبة لشدة التطابق بينها وبين ما نعيشه الآن في واقعنا، وكأن الله عز وجل أراد أن يوضح لنا حقيقة ثبات السنن، وتكرار التاريخ، فجعل الأحداث التي تمر بها أمتنا في القرن الخامس عشر الهجري، تتطابق مع نفس الأحداث التي مرت بها أمتنا في القرن السابع الهجري، ثمانية قرون مضت، ومع ذلك تتطابق الأحداث.
وإذا بحثنا في التاريخ فسنجد أحداثاً أخرى كثيرة تتطابق مع نفس الأحداث التي تمر الأمة بها الآن.
وقد وقع اختياري على هذا الحديث بالذات؛ لأنه كان في نفس المنطقة التي تدور فيها بأمتنا أحداث هامة جداً في هذا الوقت الذي نعيشه الآن، ففي وقتنا هذا تدور الأحداث في أفغانستان، وأوزباكستان، والعراق، وفلسطين، وإيران وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، وبهذا التطابق يستطيع القارئ لأحداث التتار والمتابع والمدقق والمحلل لها أن يربط بسهولة بين التاريخ وبين الواقع، ويستطيع أيضاً أن يستقرئ سنن الله عز وجل في أرضه وفي خلقه.
وليس الغرض من هذه المحاضرات هو الدخول في كل تفصيل، والبحث عن كل موقف، فهذا يطول جداً، فنحن هنا سنمر على الأحداث في عجالة؛ لنبحث فيها عن مواطن العبرة، وأوجه الشبه بينها وبين زماننا المعاصر، ونحلل بسرعة أسباب الهزيمة وأسباب النصر، ومن أراد أن يستزيد فليعد إلى المراجع الكثيرة العظيمة التي تزخر بها المكتبة الإسلامية.
والله أسأل أن ينفعنا بكل كلمة وحرف من هذه القصة العجيبة.