عنوان الفتوى : محل المؤاخذة عما يقع في النفس من وساوس كفرية
إن وسواس الشرك يسيطر علي تماما وكأن شيئا يتحدث إلي ويقول ليس هنالك إله واحد، هناك آلهة أخرى في عوالم أخرى، وأكاد أجن وأنا أرد هذه الفكرة، ثم يأتي مرة أخرى ويقول أنت مؤمنة بها، أنت مشركة، والله يغفر كل شيء إلا الشرك، فأصاب بالإحباط وأتمنى الموت حتى إنني فكرت في الانتحار مرات كثيرة، ثم تذكرت أنه حرام، وابتعدت عن المعاصي، ويقول حتى وإن ابتعدت المهم الإيمان، أرى في الليل العائلة نياما مرتاحين إلا أنا فأبكي كثيرا، جزاكم الله خيرا دلوني على كيفة أتخلص بها من هذه الوساوس، وهل سيغفر الله لي؟ أحس أنني من أهل النار ولن ينفعني شيء وحتى القتلة والزناة يمكن أن يغفر لهم إلا أنا، علما أنه كان لدي وسواس قهري في ذات الله، وعندما قرأت أننا لا نؤاخذ بهذا لم تعد تأتيني، وبعد أن قرأت أن الله يغفر كل شيء إلا الشرك بدأت تأتيني هذه الأفكار، أفيدوني، أصبحت في جحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعبد لا يؤاخذ بما يهجم عليه من الخواطر والوساوس، ما لم يصر ذلك اعتقادا ثابتا وعزما مستقرا يعقد عليه قلبه، وهو مأجور على كراهته للوسواس وخوفه ونفوره منه، وقد نص أهل العلم على أن كره العبد وخوفه ونفوره من مثل هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 7950، ورقم: 12300.
والأخت السائلة من هذا النوع ـ إن شاء الله ـ كما يدل عليه سؤالها وخوفها وبكاؤها الكثير!! فلتبشر بما يسرها، ولتعلم أن ما تشكو منه يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل، أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر: المراد نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع العمل بالجوارح، أو القول باللسان على وفق ذلك، والمراد بالوسوسة تردد الشيء في النفس من غير أن يطمئن إليه ويستقر عنده. اهـ.
وراجعي الفتوى رقم: 8685.
فارفقي بنفسك ولا تحمليها فوق طاقتها، واستمعي لهذه النصيحة الذهبية، فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة، هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها... فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله، لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا {فاطر: 6}... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته، فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأنه يقاتله فيكون له ثواب المجاهد، لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر عنه. اهـ.
فاتقي الله في نفسك وجاهديها بقطع هذه الأفكار، ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، وراجعي الفتويين رقم: 58741، ورقم: 70476.
ثم لا بد في الختام من التنبيه على أن هذه الأمراض النفسانية كالوسواس القهري والتفكير الوسواسي التي لا يستطيع صاحبها التوقف عن الأفكار السخيفة التي تعرض له، رغم إيمانه بأنها خاطئة، ومحاولته المستمرة في التوقف عنها، وهذا لا يقف الحد معه عند مجرد العفو والتجاوز والمغفرة! بل صاحبها مأجور على مجاهدته لهذه الوساوس، وراجعي للأهمية في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 60628، 3086، 134765.
والله أعلم.