عنوان الفتوى : اصطدم بسيارة وهرب ثم وسوس بأن المصدوم توفي
شكر الله لكم الجهود التي تقومون بها، وجعلها الله في ميزان حسناتكم. صديقي مقيم في فرنسا، ذات يوم كان يسوق السيارة في الطريق السريع فيها، فازدحم الطريق الذي كان يسير به، فأراد تغييره، فنظر في المرآة الجانبية، فلم يشاهد أحدًا قادمًا، فغيّر مسار السيارة، وإذا بسيارة تحتك به من جهة السائق (الجزء الأمامي)، فتوقف، وتوقفت السيارة التي احتكت به، فشاهد السائق الآخر قد نزل من سيارته ليتفقد ما حدث، كما أنه رأى الضرر في السيارة الأخرى طفيفًا، وليس كبيرًا، وبعدها حاول الخروج إلى المسلك الاستعجالي، لكنه أكمل طريقه، ولم يتوقف؛ كونه لم يكن يحمل رخصة سواقة في ذلك البلد، فخاف من عاقبة الأمر، وهو في الأصل شاب ملتزم جدًّا، و مصاب بالوسواس القهري أيضًا، فاشتد به الوسواس على أنه قد قتل شخصًا في ذلك الحادث، كإصابته بسكتة قلبية، أو ما شابه ذلك عند الاحتكاك؛ رغم أنه متأكد أن الضرر كان طفيفًا جدًّا في الجانب الأيسر للسيارة، ولكن كونه يملك قيمًا عالية، فنفسه اللوامة أتعبته كثيرًا في هذا الشأن، فأرجو من سماحتكم أن تفتونا في هذه المسألة، وهل تجب عليه الكفارة، أو دفع دية بنية التوبة من الذنب؟ بارك الله فيكم، وجزاكم كل خير.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الشكوك والوساوس في غير محلها؛ مما يدل على أنها غير طبيعية، بل هي من الشيطان.
وعلى المرء أن يعرض عنها، ولا يلتفت إليها، فلا تلزمه كفارة، ولا دية، ولا غير ذلك، إنما يلزمه مقدار الضرر الذي أصاب سيارة الطرف الآخر، ويرجع في تحديد ذلك إلى أهل الخبرة، والاختصاص.
وإن كان لا يستطيع الوصول إليه؛ لجهله به، ونحو ذلك، فليتصدق بمقدار قيمة الضرر عنه إلى الفقراء، والمساكين؛ عملًا بالمستطاع؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}، وقوله: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {الأعراف:42}.
وليعلم صديقك أن خير علاج لهذه الوساوس ما ذكره ابن حجر الهيتمي لما سئل عن داء الوسوسة، هل له دواء؟
فأجاب: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية -وإن كان في النفس من التردد ما كان-، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرّب ذلك الموفّقون.
وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيّز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها، وإلى شيطانها … وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته، وهو أن من ابتلي بالوسوسة، فليعتقد بالله، ولينته.
فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته.
واعلم أن من حُرِمَهُ حُرِمَ الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقًا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال، والحيرة، ونكد العيش، وظلمة النفس، وضجرها ... اهـ.
والله أعلم.