عنوان الفتوى : هل يجوز الفطر أثناء القتال؟ وهل أفطر رسول الله والمسلمون في غزوة بدر؟
هل يفطر الصائم في رمضان وهو يقاتل؟ وهل أفطر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في غزوة بدر - جزاكم الله خير الجزاء -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
يشرع للصائم الفطر في القتال المشروع، وعليه القضاء، وقد يجب إذا خشي الضعف عن الجهاد، روى مسلم عن قزعة، قال: أتيت أبا سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ وهو مكثور عليه، فلما تفرق الناس عنه، قلت: إني لا أسألك عما يسألك هؤلاء عنه, سألته: عن الصوم في السفر؟ فقال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال: فنزلنا منزلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم ـ فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا ـ وكانت عزمة، فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: وَلِهَذَا كَانَ الْإِفْطَارُ أَوْلَى وَلَمْ يَتَحَتَّمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِقَاءُ الْعَدُوِّ مُتَحَقِّقًا فَالْإِفْطَارُ عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ يَضْعُفُ عَنْ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ, وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ غَلَيَانِ مَرَاجِلِ الضِّرَابِ وَالطِّعَانِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ لِجُنُودِ الْمُحِقِّينَ, وَإِدْخَالِ الْوَهْنِ عَلَى عَامَّةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
وجاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: باب فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيه: أَبُو سَعِيد، سَمِعْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا.
ـ قال المهلب: هذا الحديث يدل أن الصيام في سائر أعمال البر أفضل إلا أن يخشى الصائم ضعفًا عند اللقاء؛ لأنه قد ثبت عن الرسول أنه قال لأصحابه في بعض المغازي حين قرب من الملاقاة بأيام يسيرة: تقووا لعدوكم ـ فأمرهم بالإفطار؛ لأن نفس الصائم ضعيفة, وقد جبل الله الأجسام على أنها لا قوام لها إلا بالغذاء؛ ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: أفضل الصوم صوم داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى ـ فلا يكره الصوم البتة إلا عند اللقاء, وخشية الضعف عند القتال؛ لأن الجهاد وقتل المشركين أعظم أجرًا من الصوم لمن فيه قوة.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 42462.
وقد شرع الصوم في شهر شعبان للسنة الثانية من الهجرة، وكانت غزوة بدر في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وراجع الفتوى رقم: 39893.
روى الترمذي عَنْ ابْنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَحَدَّثَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَتَيْنِ فِي رَمَضَانَ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَالفَتْحِ، فَأَفْطَرْنَا فِيهِمَا.
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: حَدِيثُ عُمَرَ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالفِطْرِ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا ـ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ نَحْوُ هَذَا، إِلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الإِفْطَارِ عِنْدَ لِقَاءِ العَدُوِّ، وَبِهِ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ. اهـ.
وقد ضعف إسناده الشيخ الألباني.
ورواه ابن سعد في الطبقات، وقال أيضًا: أخبرنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا موسى بن عبيدة, عن عبد الله بن عبيدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة بدر في شهر رمضان فلم يصم يومًا حتى رجع إلى أهله.
فالظاهر من هذه الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أفطروا يوم بدر.
والله أعلم.